تتواطأ عدسة عاد أشقر (1988) مع عناصر الطبيعة، معيدةً الصور التي التقطتها إلى بيئتها الأصلية عبر سلسلة محكمة. في معرضه التجهيزي الفوتوغرافي «واحدٌ مع الطبيعة» الذي ضمّ 30 بورتريهاً ذاتياً بأحجام وأشكال مختلفة، ظهّر المصوّر الشاب علاقة الإنسان الأولى مع الطبيعة، من خلال تجربته الخاصة مع محيطه. علاقة بدائية صافية طبعت معظم الصور التي وحّدها تفاعل جسد الفنان العاري مع أدوات الطبيعة. وزّع أشقر صوره في المساحة الممتدّة من البوابة الخارجية وصولاً إلى بيت جدّته في منطقة نهر الكلب. هناك، في المنزل العائلي الذي تحوّل إلى فضاء للعرض، ألصق صوره على الطريق المؤدية إليه، على الحجارة وبين الأشجار، وفي النهر الجاف أسفل الجسر الذي نقطعه، ليصبّ المعرض في «فن الأرض» الذي يستخدم فيه الفنان عناصر الطبيعة، ويتركها فيها لتتكفّل البيئة بعدها بتبديل حالتها.
لطالما ارتبطت تجربة الفنان اللبناني الحائز جائزة «غاليري أيام» الفوتوغرافية عن مشروعه God Bless Our Home بالطبيعة وإعادة استخدام موادها. هذه التيمة تشكّل محور مجموعته الفوتوغرافية التجهيزية God Bless Our Home (حمى الله دارنا) التي استعان فيها بالنفايات الصلبة والبقايا، ليصنع منها ديكوراً لمنازل لبنانية مهجورة، قبل أن يلتقط لها صوراً. مشروعه «وراء البحر» أتى ضمن إطار البيئة المحيطة أيضاً. ركّب مرايا في زوايا مختلفة على الشواطئ اللبنانية من صيدا إلى طرابلس، لتعكس كل مرآة مشهداً مختلفاً على الكورنيش، وتجسّد الرؤى المغايرة التي يشاهدها كل منا للمكان نفسه.
راكمت تلك المشاريع خطى أشقر نحو إنجاز معرضه الفردي الأوّل «واحد مع الطبيعة» الذي بدأ العمل عليه قبل ثلاث سنوات. في الصور، وظّف العناصر الطبيعية كالماء والهواء والتراب والصخر والشجر كخلفية حاضنة لجسده. لكن ممارسات الجسد الفطرية مع الطبيعة والانسيابية التي أمّنتها التقنيات الفوتوغرافية المستخدمة، قلّصتا المسافة بين الخلفية والجسم ليتحلل هذا الأخير فيها إلى حد الذوبان. جسد الفنان جال عارياً على غابات وحدائق في مناطق لبنانية مختلفة، مواصلاً ممارسة امّحائه أمام عناصرها وانصهاره فيها. في إحدى الصور، يقف عاد وراء جذع شجرة مكسور، ويمسك غصناً بيديه إلى أعلى، ملتحماً مع الشجرة، بينما يتكوّر جسده ويتداخل مع الصخر في صورة أخرى. هناك لقطات مقرّبة على تفاصيل وأعضاء جسدية محدّدة، ووضعيات جسمانية اتخذها أشقر، تجرّد الجسد من هويته الإنسانية، ليستمدّ هوية أخرى من انتمائه إلى الطبيعة. وفيما تدور حالته ضمن عوالم متشابهة موحّدة تقريباً، كان لا بدّ من التنويع التقني، واللجوء إلى الرسم الضوئي أحياناً، من دون أن يمنع ذلك من الاعتماد على الضوء الطبيعي أحياناً، خصوصاً ضوء الفجر.

ألصق صوره على الطريق المؤدية إلى البيت، وعلى الحجارة وبين الأشجار


الوضعيات الجامدة والفاقدة للحركة في معظم الأعمال التي تساوي الجسد بباقي عناصر المشهد، رمت إلى حجب تفوّق الجسد النمطي على باقي المكوّنات الأخرى. لكنه خرج عنها في بعض اللقطات. يساعد فعل التبوّل في فضاء مفتوح مثلاً، على كسر هذه العلاقة الجامدة الرتيبة التي طبعت الصور ووحّدتها.
إذا كان أشقر قد حجز لنفسه علاقة منعزلة وخاصة مع المحيط، إلا أنه أخذ هذا الخيار إلى أقصاه حين استثمر بيت جدّته كفضاء للعرض. هكذا، امتد توافق الجسد مع عناصر الطبيعة في الصورة، إلى تماهٍ بين فضاء الصور وفضاء العرض المتشابهين. لم يكن هذا الخيار عبثياً. أتى من رمزية البيت الذي قضى فيه المصوّر طفولته. بيت الجدة خزان ذاكرته الأولى مع الطبيعة، تماماً كما تشكّل الطبيعة خزاناً لجسده. هذه التداخلات نراها أيضاً في متابعة العائلة لحياتها الحقيقية في المنزل، حيث تجلس الجدة والأولاد والأحفاد خارجاً. عناصر بشرية لا تنفصل عن فضاء العرض المركّب.
أعاد أشقر الصور الطبيعية مجدداً إلى بيئتها بعد رحلة التصوير والتظهير والعرض. رحلة يقودها خطان متوازيان يلاقي فيهما الجسد والصورة المصير ذاته الذي يحتّمه «فن الأرض» الذي ينتمي إليه المعرض. يتمثّل أوّلاهما بانصهار جسده مع الطبيعة، ومن ثم تحلل الصورة مع الطبيعة. فالصور مطبوعة على ورق معاد تصنيعه لتتحلّل مع الطبيعة، إذ بقيت مكانها بعدما اختتم المعرض أمس.
انغماسه في البحث عن الجانب البدائي في الإنسان المعاصر وعلاقته بالطبيعة، دفع الفنان اللبناني إلى اختيار بورتريه ذاتي مختلف كصورة رئيسية لـ «واحد مع الطبيعة».
يظهر البورتريه الشق الأعلى من جسد أشقر العاري، بينما يغطي المكياج وجهه: تبرز الحمرة تحت الشاربين. قد يكون وظف المكياج كقناع يفصل الإنسان المعاصرعن الطبيعة الأم، إلا أن هذا التناقض (التوافق) الأنثوي - الذكوري نفسه سيصبّ مجدداً في المكوّنات الإنسانية «الطبيعية».