القاهرة | ستكون إطلالة محمد محسن (1981) الليلة في بيروت (قاعة بيار أبو خاطر) وعداً بخطوة جديدة في مسيرته الفنية التي بدأها مع «ثورة 25 يناير» عام 2011. أغنياته ذات الحس الملتزم وجدت حضوراً لدى شباب الثورة لكنه حرص منذ ذلك الحين على ألا يوصف بمطرب «الثورة» لأنّ هاجسه هو الغناء بوصفه فناً للمتعة لا لممارسة العمل السياسي. الليلة، يريد محسن أن يطلق صوته في فضاء مغاير.شأن مطربي مصر الكبار، بنى صلته بالغناء على إرث «المشايخ» من كبار مقرئي القرآن. ويدين بأفضال كثيرة للشيخ مصطفى اسماعيل ويعتبره «نجمه المفضل». كما يشعر بشيء من اللذة الموجعة وهو يستمع لصوت الشيخ محمد رفعت. إلا أنّ نقطة التحول في تربيته الموسيقية التي بدأها في قرية «أوسيم» الصغيرة على أطراف الجيزة، تمثلت في التعرف إلى ألحان الشيخ سيد درويش وصوته.

وهي الألحان التي قدّم نفسه بها لجمهور حفلات كلية الهندسة التي تخرج منها قبل سنوات بعدما نال لقب مطرب جامعات مصر لأكثر من مرة إلى أن التقى مصادفة في مكتبة «دار الأوبرا» المصرية بالمايسترو عصمت عباس. كان الأخير يجري بروفة لـ «فرقة القاهرة للتراث»، فطلب منه الجلوس والاستماع إليها فوافق. وبعد انتهائهم من البروفة، تقدم منه وطلب منه سماع صوته، فغنى له محسن قصيدة «مضناك» لعبد الوهاب. بعدها، طلب منه الانضمام إلى فرقته وحضور البروفات لغناء قصيدة «مضناك» في مناسبة ذكرى وفاة «موسيقار الأجيال» وهكذا كان.
ظل محسن مع الفرقة حتى بدأت بوادر التغيير في مصر وتحررت فضاءات العرض من هيمنة الدولة. هنا، بدأ العمل لحساب فرقته في فضاءات مثل «ساقية الصاوي» و«مسرح الجنينة» و«روابط» و«مكان». في كل هذه الأمكنة، بنى روابط مشتركة مع أبناء جيله الراغبين في التغيير. لذلك، عندما جاءت «ثورة يناير»، كان محسن جزءاً منها، خصوصاً أنّ سكنه القاهري كان في شقة في الطابق الأعلى لـ «دار ميريت» التي وصفت ببيت الثورة. هناك تعرّف إلى أحمد فواد نجم الذي مد له يد العون وناصر أقرانه من الشعراء. أنتج أول البوم له هو «اللف ف شوارعك» من دون الاعتماد على شركة احترافية من شركات الإنتاج الكبيرة التي تريد «استثمار الثورة»، وفضّل المغامرة مع أصدقاء شاركوه الحماسة للتجربة، أبرزهم عازف العود اللبناني رامي يعسوب. بفضل هذه المغامرة، كان سهلاً اتخاذ قرار إتاحة الألبوم كاملاً على يوتيوب وفايسبوك كي يستمع إليه الناس. في الألبوم، هاجسان رئيسان: الأول قائم على استثمار طاقة النص الشعري المستمدّ من تفاصيل الحياة اليومية أو يوميات الثورة، والثاني يقوم على سؤال الهوية الموسيقية للمغني لتأكيد «جماليات صوته» مع مساحة لا بأس بها لاستعراض إمكاناته.
في الهاجس الأول رغبة في التوجه إلى الجموع المنتفضة في الميادين. النصوص في غالبيتها، تبدأ بصيغة المنادى وتوجه نداءها إلى جمع حاضر/ غائب، أو تشتغل على مصدر آتٍ من الغناء الشعبي كما نعرفه في صيغته الطازجة مع أغنيات الفلاحين مثلما نرى في الأغنية الأولى «بلدك بعيد يا عنب، والغربة خطفت لونك/ هو الفراق انكتب ولا الفراق بيخونك». في بداياته، رأى محسن أنّ سؤال الهوية الشرقية هو الذي يشكل رهانه ويصوغ تجربته الموسيقية الجديدة، وهي لا تحتقر الموروث وتسعى إلى التفاعل معه، كما لا ينبغي أن تهمل الانفتاح على المعاصرة. وفق محسن، «كان ثمة تشويه متعمد للغناء الحلو. وإذا كنا نتحدث عن ثورة، فلا بد من أن تكون شاملة لمقاومة القبح وآثاره في الغناء». سعى محسن في حفلاته القاهرية الأخيرة إلى ترويض جمهوره واجتذابه بأغنيات جديدة تسعى إلى بلورة المشاعر الانسانية بمعناها المطلق كما فعل في أغنيته «بحبك من زمان جداً» مع رفيق تجربته الشاعر مصطفى ابراهيم. كما يغني الليلة محاطاً بأوركسترا لبنانية بالكامل، لا بمصاحبة فرقته الصغيرة التي تشبه في تكوينها التخت العربي التقليدي.
يرى محسن أنّه حان وقت المغامرة والذهاب بصوته الطازج إلى مساحات أرحب لم يكن يدركها. مساحات طلب منه مرسيل خليفة اختبارها وتطويرها، فصوته الصافي أشبه بـ «الوعود» التي تحتاج إلى اختبارات كثيرة كي نصدقها.
لا ينفر محسن من فكرة الالتزام ولا يتقاضى أثماناً من السلطة للتخلي عن التزامه الثورة التي قدمته، لكنه يطلب فسحة كي يختبر تجربته مع جمهور آخر، فحلاوة الصوت ليست وحدها التي تصنع مطرباً قادراً على الاستمرار.



أمسية محمد محسن: 20:00 مساء اليوم ـــ «قاعة بيار أبو خاطر» (طريق الشام ـ بيروت) ـ للاستعلام: 01/421000