القاهرة | في الذكرى الأولى لوفاة محمود درويش في آب (أغسطس) عام 2009، وقف محمد محسن في ساحة «بيت السحيمي» في القاهرة وسط عدد قليل من العازفين وحضور لا يتجاوز المئة. ليلتها، بدأ بغناء قصيدة «أمُرُّ باسمُكِ» التي كتبها درويش ولحنها مرسيل خليفة وتعتبر من أشهر أغنياته التي جمعته بالشاعر الفلسطيني. في الحفلة نفسها، غنّى محسن بكلمات درويش وألحان صديقه الملحّن والطبيب الفلسطيني ياسر حجازي، قصيدة «ولنا بلادٌ» التي قوبلت بتصفيق حاد وتشجيع من الحضور الذي كان أغلبه يتعرّف للمرة الأولى إلى هذا الطالب في كليّة الهندسة.
لم يختلط عليه الأمر ليظن أنّه سيواصل تقديم الكلاسيكيات للجمهور. يعلم محسن جيداً أنّه لا بد لكل فنان من أن يضيف الجديد، ويضع بيده حجراً جديداً في جدار الفن الذي يطول عنان السماء. ويبدو أنه يسير في هذا الاتجاه.
يقول إنّه لا يريد أن يكون ذلك المطرب المُعلَّب داخل مقاطع صوتية مسجّلة بعناية داخل الاستديو الذي لا يراه الجمهور إلا نادراً. الفنان الشاب يرى أنّه يستطيع أن يمتع جمهوره بالغناء أمامه مباشرة والتفاعل معه، فهو ذاته ذلك الذي وقف للغناء أمام الجميع في مسابقة جامعة القاهرة قبل أن يفوز بها حين غنّى دور «والله تستاهل يا قلبي» للشيخ خالد الذِكر سيد درويش. مع ذلك، لم يتأخر محسن كثيراً منذ بداية مشواره لغاية إصدار أول «ميني ألبوم». عام 2012. جاء ذلك في الذكرى الأولى لثورة 25 يناير ليكون «اللف في شوارعك» أول «سي دي» يطرح في الأسواق يحمل اسم وصورة محمد محسن، ويضم خمس أغنيات شارك في تلحين ثلاثة منها، وتولّى الملحن اللبناني رامي يعسوب اثنين.
حفلته الليلة هي
الأولى التي تجمعه بأوركسترا كاملة

مع ذلك أيضاً، لم يتردد محسن في التأكيد أنّه عُرف لعدد كبير من جمهوره من خلال مقاطع غنائية نشرها على يوتيوب قبل سنوات. لكنه في النهاية يعتبر الانترنت ونوافذ التواصل الاجتماعي مجرد وسائل للتواصل مع جمهوره وتعريفه بالأعمال الجديدة وتلمّس الذوق العام. بالنسبة إليه، الغناء والفن ينادي جمهوره في أي مكان في العالم وربما هذا هو سبب رحلاته المتكررة خارج مصر. ولعل أهم البلاد التي تشير إليها بوصلته بعد مصر هي لبنان. يرى محسن في لبنان بلداً محباً للفن وصانعاً له. حين يُسأل عنه، يجيب بأنّه يتشرف بتقديم أغانيه وإطلاق العنان لصوته في البلد الذي غنّت فيروز فيه وله. يقول: «إذا كان سيد درويش هو التجربة الموسيقية والفنيّة الأهم في مصر، فالرحابنة امتداد عظيم لتلك التجربة». يضيف أنه تشرّف بمشاركة أحد أعضاء فرقته أي عازف الإيقاع هاني بدير في الجولة الفنية الأخيرة لزياد الرحباني ويرى في ذلك نجاحاً شخصياً له. لا تمرّ أمسية إلا ويقدّم محسن فرقته ويعلن اعتزازه بها كشريكة في تجربته. لعل أبرز الأسماء التي تلازمه عازف العود إسلام القصبجي، وهاني بدير، وعازف الكيبورد رفيق عدلي الذي تولى توزيع كثير من أغنيات محسن. قدّم الأخير عدداً من الحفلات في لبنان أبرزها تلك التي جمعته بمرسيل خليفة وأميمة الخليل في «بيبلوس». أما حفلته الليلة في بيروت، فتجمعه بالمايسترو أندريه الحاج وأوركسترا كاملة للمرة الأولى. ويرى في ذلك خطوة جديدة في مشواره الفنّي الذي يسير فيه بخطوات ثابتة وسريعة. حين يُسأل عن البلاد التي قد يقدم حفلات فيها، يجيب أنّه يغنّي في أي مكان من دون أي اعتبارات إلا في الأراضي الفلسطينية المحتلة. ويرى أن جولته الجديدة ستكون في المغرب العربي أولها تونس. وبما أنّه رجل حفلات وغناء مباشر أمام جمهوره، فقد تعرّض لعدد من المواقف خلال حفلاته اكتسب منها خبرات في التعامل مع المشاكل. من تلك المواقف ما حدث في حفلته الأخيرة في «مسرح القلعة» حين انقطع التيار الكهربائي نتيجة الأزمة التي تعيشها مصر أخيراً، ولم تتجاوز مدة انقطاع التيار الدقائق. حينها فوجئ محسن بعدد من الشباب يصيحون بهتافات سياسية. كان رده أنّ الحفلة ليست ساحة للتظاهر وأنّ انقطاع الكهرباء غير مقصود. محسن الذي خرج صوته في ميدان التحرير ليلتف حوله كثيرون ويصدح بأغنيات الثورة، فوجئ يومها بأن تتناول بعض الأقلام ذلك الحدث بأنه سقطة له أو خطأ في حق الثورة، كأن موجة المزايدات السياسية قد امتدت لتمس أبناء الثورة وميدانها، وكأن تهدئة الفنان لجمهوره وتوضيحه لحقائق الأمور خيانة في نظر هؤلاء. حدث هذا الموقف بعدما قدم محسن أغنيته «بندعيلكم» التي يهديها دوماً لشهداء الثورة، وأهداها في حفل الأوبرا الأخير لشهداء الحرب على غزة التي دعا الجماهير فيها للوقوف دقيقة حداد على أرواحهم.
اليوم، يستعد الفنان الشاب لطرح ألبومه الجديد وينشغل باختيار الأشعار والرؤية الموسيقية ويتابع باهتمام كل التطورات على الساحة الفنيّة والمدارس الموسيقية المختلفة لإخراج عمل يكون عند حسن ظن الجميع ويضيف له في مشواره.