يعرض «مسرح المدينة» هذه الأيام «نقل حي» للمؤلفة والمخرجة ريتا إبراهيم (تمثّل أيضاً في المسرحية). تأتي المسرحية الكوميدية مزيجاً بين أنواع عدة من الشعبي/ المعتاد، والنمط «الزيادي» (نسبةً إلى زياد الرحباني) ولو بنمطٍ أقل لما للرحباني من تأثيرٍ في أجيالٍ من المسرحيين اللبنانيين؛ وبالتأكيد «التلفزيون» البعيد كل البعد عن الإطار المسرحي في مزجٍ جاء هشاً بعض الشيء، ويحتاج إلى الكثير من التمحيص كي يؤتي ثماره أكثر.
تدور قصّة المسرحية حول قناةٍ تلفزيونية تعرض برنامجاً حيث المذيع (طارق تميم) يستضيف فنانةً استعراضية اسمها «نوّارة» (روان حلاوي). فجأة من دون سابق إنذار، تنقطع الكهرباء عن الشاشة ونجد المذيع في غرفة تحقيق متَّهماً بأنه قتل «نوارة» على الهواء مباشرةً. ويجري حوارٌ تحقيقي بينه وبين المحقق (سامي حمدان) لتختتم المسرحية بظهور المخرجة (ريتا إبراهيم) على الخشبة، معلنةً أنّها هي «سيدة» العمل، وهي التي تختار متى ينتهي، ومتى يبدأ ومتى يحدث أي شيء.
تميّزت المسرحية بسينوغرافيا جيدة إلى حدٍ ما تذكّر بأسلوب زياد الرحباني في استعمال «سينوغرافيا» شبيهة (خصوصاً في مسرحياته الأخيرة)، ووظفت «المضلعات» المعدنية التي اشتهر بها المسرح العراقي في ثمانينيات القرن الماضي، وكانت واحدة من سماته وأخذتها مدارس عربية كثيرة بعده. استعملت هذه المضلعات في العمل لإيصال صورة «الشاشة» التي يظهر عليها «الأبطال». وقد بدا أن حسن صادق (مصمّم السينوغرافيا مع مساعديه حسين المقداد ولورنس صبوح) قد وُفّق كثيراً في هذا الأمر، ولو أنّه ــ لربما لأسباب تقنية ــ كان الضوء شحيحاً حيناً وقوياً أحياناً أكثر من الحاجة.
النص لم يوضح أبداً طبيعة الشخصيات الحقيقية

على الجانب التقني التمثيلي، نجد أنّ أبرز ممثل في العمل هو روان حلاوي. الفنانة الشابة استطاعت بحرفةٍ عالية نقل صورة «الفنانة الاستعراضية الشاملة» في عصرنا على كثرتهن. أداء روان كان حقيقياً، ولربما حتى تطبيقياً في لحظةٍ ما: ترقص، تتدلع، تتمطى، تحيي جمهورها. ولا ريب أن المشهد الختامي في المسرحية هو أقوى لحظاتها (إن لم يكن أقوى لحظات المسرحية ككل). فهي تجبر المشاهدين (إجباراً حرفياً) على جعلهم يكرهونها، ليوافقوا ــ ولو سيميائياً ــ على قتلها. طارق تميم، أكثر الممثلين ظهوراً على المسرح في العرض، بدا متعباً إلى حدٍ ما. لا ينكر أحدٌ ما يتمتع به طارق من موهبة. لكن هذه المرة يبدو أنّ التمثيل في التلفزيون لسنواتٍ عدّة قد أخذ شيئاً من حرفة المسرح لديه، فبدا أنه Overacting إلى حدٍّ كبير. ذلك أن التلفزيون، وبالتحديد برامج «الكوميديا» التي يشارك فيها، يحتاج إلى «تضخيم» للشخصيات إلى حدٍّ يتخطى التمثيل في عالم المسرح، فتبدو الشخصيات هزلية أكثر منها حقيقية. من جهته، بدا سامي حمدان عادياً في لحظةٍ ما، وسيّئاً في لحظات أخرى، فدخل في «كليشيهات» الطبيب النفسي/ السطحية المعتادة، ولربما كانت المشكلة مشكلة نص، لكن ذلك لا يعفيه بالتأكيد من أدائه المصطنع إلى حدٍّ كبير. بدورها، أدت مخرجة العمل ريتا إبراهيم دورها بتكلّفٍ (نتحدث هنا عن دورها كممثلة حيث ظهرت في مشهدين فقط)، فجاء مشهد ظهورها الأخير «مبهماً» لكثيرين: من هي؟ ماذا تفعل هنا؟ ولماذا ظهرت على المسرح؟ (يفترض أن الجمهور لا يعرفها شخصياً كي يدرك أنَّها مخرجة العمل وصاحبته).
كتابياً، بدا أن العمل بحاجةٍ إلى مزيد من الدراسة والعمل عليه. النص لم يوضح أبداً طبيعة الشخصيات الحقيقية، فلم نعرف لِمَ أطلق المذيع النار على الفنانة؟ أو لماذا ظهرت المخرجة فجأة على المسرح؟ أو لماذا حتى اختارت «نوارة» أن تكون فنانة؟ (وأسئلةٌ كثيرة أخرى) خرجت الشخصيات «سطحيةً» إلى حدٍّ كبير من دون أي أبعادٍ ترتبط مع المشاهد وتتداخل معه. بدا مزج الإخراج مع دخول إبراهيم إلى العمل فعلاً يستحق التنبه إليه كفكرة «مشوقة». لكن التطبيق لم يكن موفقاً جداً. كان ينبغي «التمهيد» له بالكثيرٍ من المشاهد/ الخطوات التي تجعل المشاهد «مترقباً»/منتظراً لها. بالتأكيد هي تجربة تستحق العمل عليها كي تصبح أفضل، ولربما قد تكون دافعاً مستقبلياً لعملٍ أكثر نضجاً.

«نقل حي»: اليوم وغداً ــ «مسرح المدينة» (الحمرا) ــ للاستعلام: 01/753011