الرباط | فرض «البودكاست السياسي» نفسه كفاعل جديد في المشهد الإعلامي المغربي بعد نجاحه في استقطاب جمهور واسع على الشبكة العنكبوتية. بعدما خفت وهج الحراك المغربي الذي بدأ عام 2011، قرر العديد من الشباب نقل نشاطهم إلى الإنترنت ليحاكوا الوضع السياسي والاجتماعي في قالب ساخر وكوميدي، ويقاربوا بطريقة نقدية القضايا التي تهم المواطنين.
هكذا، ظهرت على اليوتيوب عشرات البرامج التي سخرت من حال الأحزاب السياسية والسياسات الحكومية والأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، فنجحت في منافسة البرامج التي يعرضها الإعلام التقليدي. قبل أكثر من سنة، كان الجانب السياسي شبه غائب عن مشاريع المدونين المغاربة. ظل «البودكاست» المغربي حبيس رؤى سطحية ومستهلكة تبحث أكثر عن تحقيق نسب مشاهدة كبيرة. لكن هذا الأمر في طريقه إلى التغير بعد الطفرة الكبيرة التي شهدتها الأشهر الماضية في عدد البرامج والمحاولات التدوينية المصورة التي قام بها شباب مغاربة. في هذه التجارب، قارب هؤلاء قضايا سياسية من قبيل انعدام الديموقراطية والاعتقال السياسي وإشكالية توزيع الثروة في محاولة لخلق إعلام بديل. وجدت هذه التجارب في الإنترنت فضاء خصباً للتعبير بحرية بعيداً عن مقص الرقيب والمحظورات الحاضرة دوماً في وسائل الإعلام التقليدية.
ويبقى برنامج «التسوليزم» الذي يقدمه الشاب محمد التسولي (الصورة)، أحد وجوه حراك 2011 أشهر برنامج «بودكاست» سياسي ساخر ظهر على الشبكة العنكبوتية. حتى إنّ المتتبعين شبهوه ببرنامج الإعلامي المصري باسم يوسف. حققت الحلقات السابقة نسبة مشاهدة كبيرة جعلت موقع «اليوم 24» (ثاني موقع مغربي) يتعاقد معه لإنتاج حلقات أسبوعية بطريقة أكثر احترافية ومهنية، مع الاحتفاظ بالخط التحريري الجريء نفسه. وانتقل التسولي من ساحات التظاهرات إلى العالم الافتراضي في محاولة لإيصال رسائله ورسائل العديد من شباب جيله الساخط على الأوضاع المتردية في البلاد.
ويعتبر التسولي أن السخرية السياسية جزء لا يتجزأ من نضاله من أجل الديموقراطية والتغيير في المغرب. كما يرجع الإقبال على مشاهدة برنامجه إلى جرأته في الطرح والنقد وعدم الارتكان إلى الرقابة الذاتية. تعرّض التسولي لهجوم واسع من أنصار الإسلاميين بسبب الانتقادات اللاذعة التي وجهها لسياسات الحكومة التي يقودونها.
إلى جانب «التسوليزم»، يبرز برنامج «مشيتي بعيد» للشابين محمود أعبابو وعبد الرحيم الهاني. تقترب التجربة من إطفاء شمعتها الأولى، حيث يحاول الشابان إيصال رسائل واضحة إلى المسؤولين السياسيين المغاربة عن الأعطاب الكثيرة التي تتخلل قطاعاتهم، وفشل اختياراتهم، وعجزهم عن تلبية متطلبات المواطنين وإخفاقات المشهد السياسي المغربي. كما يسلط «مشيتي بعيد» الذي يبث عبر قناة «المواطن الرقمي» على اليوتيوب الضوء على عدد من الظواهر الاجتماعية كالفقر والعنصرية من خلال أسلوب ساخر وجريء يقفز على التابوهات، لكنه يبتعد عن النمطية أو التفاهة والتكرار.



يأمل الشبان الذين اتجهوا إلى «البودكاست» السياسي أن يقتحم المزيد من أبناء جيلهم هذا العالم لينافسوا البودكاست الترفيهي والاجتماعي والديني الذي لا يزال متقدماً على مستوى المتابعة والمشاهدة من ذلك الذي يعالج القضايا السياسية. ويعتقد هؤلاء أن الجمهور المغربي سيصبح أكثر وعياً ليختار مشاهدة البرامج التي تتحدث عن قضايا تمس واقعه اليومي وتسهم في تثقيفه وتوعيته بشكل صادق عوض تلك التي لا تسعى إلا إلى الشهرة.