يرسم قيس الزبيدي (1960 ـ الأخبار 29/8/2008 ــ الصورة) خريطة للمقاومة الوطنية المسلّحة في لبنان في فيلمه «واهب الحرية» (1989 ــ 90 د). الشريط التسجيلي الذي نشاهده عند السادسة والنصف من مساء اليوم في «مترو المدينة» (الحمرا ــ بيروت)، بالتعاون مع «نادي لكل الناس»، هو واحد من الأفلام التسجيلية التي كرّسها المخرج العراقي لتوثيق القضية الفلسطينية ومقاومة الاحتلال الإسرائيلي (باستثناء شريطه الروائي الوحيد «اليازرلي» ــ 1974).
«واهب الحرية» الذي حصل على «الجائزة الذهبية» في «مهرجان دمشق السينمائي» عام 1989، يعدّ فرصة لاستعادة إنجازات المقاومة الوطنية في لبنان بعد مرور شهر على الذكرى الـ 32 لتأسيس «جمول» في 16 أيلول (سبتمبر) 1982. في الشريط، تتقاطع وجوه وأماكن ومدن ومقاومات مختلفة لتؤرّخ لملامح المقاومة «الشعبية» منذ عام 1982 حتى 1985. تلك الفترة التي أبهر فيها شبان وشابات العالم بإمكانات متواضعة. يتتبع الزبيدي هذه المقاومة عبر خط جغرافي، متوقفاً على أشكال المقاومة في المناطق اللبنانية.
أرشيف ومواد مصوّرة من أفلام منها «معركة» لروجيه عساف

يبدأ مع «عملية بسترس» في بيروت بعد الاجتياح الإسرائيلي عام 1982، والـ«ويمبي»، و«محطة أيوب»... وعمليات أخرى تلت نداء جورج حاوي، ومحسن ابراهيم لإطلاق «جبهة المقاومة الوطنية». نداء شكل الشرارة لانطلاق مقاومات كانت جاهزة حينها، في صيدا وإقليم الخروب والبقاع الغربي، ومشغرة، وميدون، وصور، ومعركة، والجبل، وبرجا. محطات ألغتها الاختلافات والأولويات السياسية والطائفية والمزايدات في الوطنية.
سنرى في الشريط أنواع المقاومات، وتجارب شهداء ومقاومين مختلفة تجمع الطفل نزيه القبرصلي، وسهى بشارة، ولولا عبود، وجمال ساطي، وصولاً إلى النساء الجنوبيات اللواتي واجهن الاحتلال بالزيت المغلي بالتوازي مع العمليات النوعية والاستشهادية التي كان أبطالها الشباب المسلحون في الأحزاب. لا يخلو الفيلم (إنتاج أنصار «جبهة المقاومة الوطنية») من بعض عناصر الشرائط الدعائية للجبهة، كأغنيات مرسيل خليفة، وصور الشهداء ومشاهد من التشييع، ولقطات المقابر، وملصقات الجبهة. ومع ذلك، لم يستطع المخرج ضبط تلك العمليات ونسبها إلى الجبهة فقط. ثمة مشاهد تمرّ من دون أن يعرّف بها السيناريو، لكنها مع ذلك، تلتقط التحوّلات الأولى في النسيج الجنوبي بعد الثورة الإسلامية في إيران، وتوثّق لمرحلة مفصلية في تاريخ المقاومة، أي لبدايات المقاومة الإسلامية. في جبشيت، نرى الفتيات المحجبات في المدرسة ينشدن لشيخ بلدتهن راغب حرب، ونستمع إلى حديث على لسان إحدى النساء عن مقاومة لإنقاذ «الشعب المسلم في الجنوب». اكتفى الشريط بالتركيز على إنجازات المقاومة الوطنية، فيما نستمع إلى شهداء «حركة أمل» كمحمد سعد، وخليل جرادي وحيدر خليل الذين يكتفي بذكر أسمائهم.
يستند الزبيدي إلى أرشيف ومواد مصوّرة ومقاطع من أفلام منها فيلم «معركة» (1985) لروجيه عساف، ومن الصحف اليومية المتابعة لتلك العمليات، ومن مقابلات مع مقاتلين سابقين يروون تجاربهم الحية، وأمهات الشهداء. سنعرف أنواع الأسلحة الصغيرة التي واجه بها المقاومون دبابات الاحتلال، وأبرز العمليات العسكرية التي دفعت جيش الاحتلال الإسرائيلي إلى التراجع نحو الشريط الحدودي عام 1985، أبرزها عملية تفجير إذاعة لحد في العام نفسه.
هكذا، يعطي الشريط صورة مقرّبة للتجربة الحية لجبهة المقاومة الوطنية، والأرضية المتواضعة التي خرجت منها قبل أن يحوّلها الزمن إلى أيقونة، وقبل أن تغيّبها الاختلافات الإيديولوجية والحروب الإقليمية. أفكار تراود أي مشاهد للفيلم، خصوصاً بعد الاستماع إلى وصية شهيدة من «حزب البعث العربي» وهي تقول: «أنا سورية من الرقة».

«واهب الحرية» ( 90 د): 18:30 مساء اليوم ــــ «مترو المدينة» ـــ للاستعلام: 76/309363