تحتفل بيروت بمئويّة عبدالله العلايلي (١٩١٤ - ١٩٩٦)، في ظروف حارقة. نستعيد تراثه الفقهي والنقدي، منجزه الفكري القائم على خيار العقلانيّة والحداثة، وهاجس التقدّم والعدالة، والأمّة بأثرها على شفا هاوية. تلك الأمّة التي آمن بها صاحب «دستور العرب القومي»، وكرس حياته للبحث عن سبل وحدتها وتطوّرها. نحتفي به على قاب قوسين من الانهيار العظيم، ونحن نراوح مكاننا عند «المفترق الخطر»، الذي تحدّث عنه قبل نصف قرن. نعيش تحت وطأة التطرّف والتكفير والانقسام المذهبي والحروب الاهليّة والانسحاق أمام الأجنبي، أي كل ما حذّر منه في «إنّي أتّهم» وسواه، وجنّد إيمانه وعلمه للتصدّي له.
ندوة «دار نلسن» اليوم، والتظاهرة التي ينظّمها ناشره «دار الجديد» خلال «معرض بيروت العربي الدولي للكتاب»، استنجاد بالعلامة التنويري في زمن التعصّب وهيمنة الرجعيّات والأصوليّات، وانجراف جزء مقلق من شركائه في المذهب والدين والوطن والأمّة إلى خيارات انتحاريّة. العلايلي رجل الدين الذي شهر اسلامه التوحيدي في وجه الانغلاق والجمود والمحافظة. رفيق كمال جنبلاط الذي لم يتردد في خوض المعترك الحزبي، جامعاً بين «حركة أنصار السلام»، و«الحزب التقدّمي الاشتراكي»، ومشروع القوميّة العربيّة، ومركزيّة قضيّة فلسطين. لقد جاهد في سبيل ثقافة الانفتاح والحوار وقبول الآخر، ورفض ذهنية التحريم، ونبذ الفتنة. وتصدّى لمنطق «الأسوار» وتصنيم اللغة والدين، ورفع لواء الاجتهاد أو «اتصال الجهود» كما كان يسمّيه… في «أين الخطأ؟» لم يتوان عن مواجهة المفاهيم الدينيّة السائدة بنظرته المجدّدة. كتب في السياسة واللغة والدين والتاريخ والأدب، متنقلاً بين المعرّي… والحسين الذي خاطبه قائلاً «في روح كل مصلح بدوات من روحك، وفي ضمير كل مسلم قبس من ضيائك». العلايلي شيخ لبنان والعرب، ومنارة تهدينا إلى نهضتنا المقبلة.