لا طعم للأحداث في لبنان من دون الخبر العاجل. الفيديو المُسرَّب والصورة غير الواضحة أصبحا ضرورة في هذا العالم. إذ يفقد الخبر بعضاً من صدقيته، إذا لم تتوافر هذه العوامل فيه. طبعاً، من الواجب أن يواكب الخبر السرعة التي نعيشها. لكنّ السرعة التي بات يستدعيها نشر الخبر وعرضه تستدرج أحياناً إلى عدم التأكد من صحته أو تاريخ نشره. هكذا، نقع في دوامة الأخبار المغلوطة التي ترافق الخبر الصحيح، فتختلط الأمور.
كثيرة هي الصورة الموجودة على المواقع التي يمكن لمحرِّكات البحث استقدامها إليك بثوانٍ من كل مكان... لِغزّة ألبومات ومكتبات من الصور والفيديوات، كما لسوريا والعراق ومصر وليبيا والمغرب، وكثيراً ما كانت تعود هذه الصور إلى الظهور، لكنها كانت تُنسب إلى مكان آخر غير مكانها. صور غزّة تُنسب إلى سوريا، وصور سوريا إلى طرابلس، والعكس صحيح. ندور في دوامة صور وفيديوات متناقلة، كلُّ ما يفعله الناشر هو تغيير العنوان وإعادة النشر (في حالة الفيديو)، وهنا تقع المسؤولية بالطبع على المتلقي الذي أصبح من واجبه التأكد من الخبر/ الصورة/ الفيديو قبل نشره.
نشر صور لأطفال والادّعاء
بأنّ الجيش قتلهم



هذه المُعضِلة وقع فيها الكثير من وسائل الإعلام التقليدية والعريقة في لبنان، آخرها كان موقع «تيار المردة» مع صورة الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله التي تعود إلى عام 2008، لكنّ الموقع نشرها على أنها حديثة تمَّ التقاطها أثناء تجوُّله في جبهة القلمون.
هذه الصور لا حدود تقف عندها. الناشر في أغلب الأوقات يكون محرِّضاً، على خلاف المثل أعلاه الذي كان يهدف إلى رفع معنويات جمهور المقاومة، بغضِّ النظر عما إذا ما كان صحيحاً أو غير صحيح. إلا أن المشكلة الكبيرة تكمن في ناشر الصور الملفقة الذي يتَّخذ دور المحرِّض. ينشر الصور لأهدافٍ تحريضية تخدم مصلحة فريقه. هذا ما حدث أمس، حين نشر محامٍ صوراً لأطفال فلسطينيين استشهدوا خلال العدوان الإسرائيلي الأخير، وراح يروِّج على أنّ هذه الصورة من طرابلس، وهؤلاء الأطفال هم أبناء طرابلس، وأنهم يسقطون جراء العملية العسكرية التي يقوم بها الجيش اللبناني! وبدأ حملة تحريض واسعة على الجيش، مستعيناً بصور لأطفال سقطوا تارة في غزة، وطوراً في سوريا، من دون التأكد من هذه الصورة (في حال كان هو متلقياً) أو بنفس تحريضي (إذا كان هو الناشر).
هنا تكمن المعضلة. البشر سريعو التأثر بالمحيط وصور الأطفال مرعبة، دفعت كثيرين عن قصد أو غير قصد إلى الانضمام بسذاجة إلى فريق المحرِّضين على الجيش... ومنهم من ذهب إلى حدّ إحضار صور أكثر وأكثر لدعم الحملة. كل هذا بدأ ولن ينتهي هنا، فالحملة بدأت وليس هناك وعي كافٍ للتأكد من الصورة والخبر.
لهذا المحرِّض أقران، يسرحون ويمرحون على مواقع التواصل الاجتماعي، والصور التي يتمُّ استقدامها بطريقة أو بأخرى كثيرة تخدم مشروعهم، متناسين أن في هذه الصورة ضحايا، ولا يجوز أخلاقياً استثمار صورهم من أجل مآرب أخرى.