ليس السؤال اليوم عن وجود فعلي وحقيقي لما يسمى «المخدرات الرقمية» (الأخبار 3/11/2014)، بل بات السؤال هذه المرة عن السياق الذي تندرج ضمنه هذه الحملات التي بدأت إعلامياً، ويبدو أنها تتجه نحو الإلغائية وحجب الآراء المغايرة. هذا ما يتبدّى من خلال تواطؤ مقصود أو غير مقصود بين بعض المنابر الإعلامية ووزارة العدل. بدأ ذلك مع حديث صحافي، ثم تسلل الى شاشة mtv مع تقريرها الشهير في 30 تشرين الأول (نوفمبر) الماضي وقامت بعدها حملات مشككة بـ»المخدرات الرقمية» قوامها ناشطون وجمعيات عدة من المجتمع المدني؛ أبرزها «مهارات». الأخيرة لم تناقش في بيانها الصادر في 31 تشرين الأول (أكتوبر) ماهية المخدرات الرقمية، بل حذرت من أنّ قرار وزير العدل أشرف ريفي بحجب المواقع الإلكترونية التي تروّج لهذه الخدمات يقع ضمن إطار «مخالفة مبادئ حرية الإنترنت وحرية الأشخاص في اختيار ما يشاهدون (..) من دون تدخل أو رقابة مسبقة من قبل السلطة».
وأشار البيان إلى أنّ الأجدى بوزارة العدل طرح هذه المسألة على «المجلس الوطني لمكافحة المخدرات» لمناقشتها بشكل علمي.
هذا طبعاً لن يحصل، بل زاد منسوب الحملات الإعلامية المهولة بخصوص «المخدرات الرقمية» وبدأت أبلسة الجمعيات الأهلية التي تعنى بحريات الافراد والإعلام. رأينا تواطؤاً واضحاً مارسه جو معلوف في برنامجه «حكي جالس» الاثنين الماضي على lbci ضمن الفقرة المتعلقة بالحديث عن القضية. وكما فعلت mtv، استضاف معلوف مستشار وزير العدل القاضي محمد صعب ورئيس جمعية «جاد» جوزيف حواط، وأعاد تأكيد ما ورد على لسان صعب بأن جمعيات المجتمع المدني هي التي وقفت في وجه «حجب المواقع الإباحية «وهي نفسها كما قال التي «تضلل الرأي العام».
حجب رأي محامي «مهارات» بطلب من القاضي محمد صعب
ولمح صعب الى تواطؤ بين مروجي المخدرات وهذه الجمعيات بهدف التغطية على أعمالهم! ونصح صعب الإعلام والجمعيات الأهلية بترك قضية المخدرات والانصراف الى «التفرغ لحقوق المرأة والعنف الأسري».
سياسة الإقصاء التي تمارسها الوزارة استفزت جمعية «مهارات»، التي أصدرت بياناً أمس لمحت فيه الى استغلال الوزارة للإعلام بغية الترويج لحملتها ضد ما سمي «المخدرات الرقمية». وكشفت عن تدخّل حصل وأدى إلى إلغاء إطلالة محاميها طوني مخايل (الصورة)ضمن برنامج «نقطة عالسطر» على أثير «إذاعة صوت لبنان» بعدما كان المسؤولون في الإذاعة قد اتصلوا به ليطلّ كرأي مغاير لصعب في الحلقة. وفي حديث مع «الأخبار»، أعاد مخايل التأكيد على علمية تقرير «مهارات»، وتحدث عن ضغط تعرضت له الإذاعة من قبل صعب لمنعه من إبداء رأيه.
وتخوف مخايل من «عملية بوليسية» تقوم بها الوزارة من خلال كم الأفواه والهجوم على الجمعيات الأهلية وتشويه صورتها.
وسأل: «ما هما الحالتان اللتان تم الحديث عنهما ولم تتم الإضاءة عليهما ولا على تفاصيلهما؟». ووضع ما يحصل في إطار «استغباء الرأي العام» وتضليله مع تغييب أصوات هذه الجمعيات. ويضاف إلى كل ذلك غياب أي مساحة نقدية يجريها الإعلام، بل يسهم في التهويل وتخويف الرأي العام ضمن وضع يعيد إلينا السياسة الإقصائية وفرض الرأي الواحد.