كان على الدماء أن تسيل في شوارع السعودية حتى يصحو نظامها من سباته الأبدي ويتنبه إلى أنّ نار الفتنة التي أشعلها في المنطقة، ستصل إلى عقر داره ويهزّ استقرار المملكة. لم ينتبه آل سعود ومعاونوهم لخطر القنوات الفضائية التي حرّضت على مزيد من الدماء ولمشايخها الذين كانوا محراك الشر الذي شجع على انتشار الفتنة والاقتتال المذهبي في سوريا على وجه الخصوص.
لكن منذ فترة، بدأت علائم الصحوة الإعلامية السعودية تظهر من خلال قناة «mbc1» وتحديداً من برنامج «الثامنة» مع داود الشرياني الذي هاجم علناً شيوخ التحريض الذي ورطوا شباباً سعوديين للذهاب والموت في سوريا بذريعة الجهاد. ومن هؤلاء الشيوخ العريفي والعودة والعرعور. يومها، هاجم الشريان قناتي "المجد" و"وصال" (الأخبار 21/1/2014). لكن بالأمس، بلغت الأمور ذروتها، وصار موضوع مواجهة هاتين القناتين بمثابة واجب وطني بعدما كمن مسلحون في ليلة عاشوراء أمام حسينية في الإحساء وتحديداً في منطقة «الدالوه» وراحوا يطلقون النار عشوائياً على من خرج منها، فسقط حوالي 7 أشخاص وأصيب آخرون. وسرعان ما جربت الداخلية السعودية حرف الأنظار عن بوادر الغليان الطائفي في أراضيها، فقالت إنّ الحادثة جرت في إحدى مناطق الإحساء من دون ذكر الحسينية. لكن سرعان ما رد ناشطو مواقع التواصل الاجتماعي على البيان الحكومي من خلال فيديو صوّر بكاميرا موبايل من داخل الحسينية وقد رفع على يوتيوب ليقطع الشك باليقين، إضافة إلى تغريدات تويتر التي لاحقت المسؤولين السعوديين وحملتهم وزر ما حدث من خلال التحريض على الفتنة وتأجيج نار الحرب في سوريا. في هذه الأثناء، كانت القوات السعودية قد وصلت إلى درجة غير مسبوقة من الاستنفار في ست مدن وراحت تلاحق العصابات الإرهابية. وخلال 12 ساعة، ألقت القبض عليهم بحسب المصادر الرسمية السعودية التي نعت إلى جانب ذلك اثنين من عناصر قوى الأمن الذين شاركوا في العملية، وأوضحت بأن أفراد العصابة هم ممن عادوا من رحلة "جهاد" قضوها في سوريا أو العراق. وسط هذه المعمعة الأمنية التي هزّت المملكة، خرج وزير الثقافة والإعلام السعودي عبد العزيز خوجة بتصريح على حسابه الشخصي على تويتر قائلاً: «لكل من يسأل، لقد أمرت بإغلاق مكتب قناة "وصال" في الرياض، ومنع أي بث لها من المملكة العربية السعودية وهي ليست قناة سعودية من الأساس»، فرد عليه الصحافي السعودي علي سعيد بالقول «متأخر جداً. منذ عام 2010 قلت لك في هيئة الصحافيين، أما آن الأوان لوضع ميثاق شرف إعلامي وطني ضد القنوات المذهبية، فلم تكترث».
لكن الأمر لم يقف عند ردود الصحافيين ورواد الانترنت واحتجاجهم على تأخر صدور هذا القرار، إنما كان تصريح الخوجة هو الأخير له في منصبه. إذ سرعان ما صدر مرسوم ملكي قضى بإعفاء الوزير من منصبه وتكليف وزير الحج بندر بن محمد حمزة أسعد حجار بدلاً منه، مما اعتبره متابعون للقضية بأنّه مرتبط بشكل وثيق بحادثة الإحساء، كأن السلطة هناك أرادت تحميل المسؤولية الكاملة لانتشار قنوات الفتنة للوزير المقال بمفرده أو محاولة امتصاص غضب الشارع من خلال إقالته.
في كافة الأحوال، يأتي قرار إغلاق المحطة حكيماً لدرجة كبيرة. لكن إذا كانت بوادر الحكمة السعودية تتطلب كل هذا الوقت، فكم تحتاج قرارات مماثلة بإغلاق جميع منابر النعيق والتحريض على الفتنة من دماء ودمار؟!