باريس | عبد الوهاب المؤدب (1946 ــ 2014) المشتغل في مجالات متعددة، رحل أمس في باريس، مخلفاً إرثاً وأفكاراً مهمة حول الإسلام وحضارته. إذاعة France Culture نعت صاحب «أوهام الإسلام السياسي» وأوردت أنّ وفاته جاءت بعد صراع مع المرض الخبيث. رغم متاعبه الصحية، حافظ الكاتب والمثقف التونسي على برنامجه الأسبوعي في الإذاعة «ثقافات الإسلام» حيث ساءل الإسلام في تاريخه وحضارته، علماً بأنّ آخر حلقاته تبثّ اليوم الجمعة.
مدير الإذاعة الثقافية الأشهر في فرنسا، أوليفييه بوافر دارفور، تحدث على أثيرها قائلاً إنّه برحيل المؤدب، يختفي صوت كبير قدّم طوال 17 سنة برنامجاً عن الإسلام. صوت أراد السلام من خلال الثقافة، ومن خصوصيته أنه على معرفة عميقة بالإسلام.
المؤدب كان فعلاً من الأصوات التي تجمع معرفة عميقة بالتراث الإسلامي وبالثقافات الغربية. هو ينحدر من عائلة من الفقهاء في مسجد «الزيتونة». والده كان أستاذاً لأصول الفقه، وجده لأبيه شيخاً ومدرساً لعلوم القراءات. هذا الانفتاح المبكر على الثقافة الدينية واكبه انفتاح على الثقافة الغربية إبان الفترة الاستعمارية. منذ 1967، انتقل للعيش في باريس حيث تابع دراسات أدبية وفي تاريخ الفنون في «السوربون». ثلاث سنوات انطلق بعدها في مسيرة أدبية وفكرية بالتعاون مع مجلات ودوريات بارزة. كانت بداية اشتغاله على التعريف بالإسلام وإرثه في فرنسا من خلال التعاون مع مؤسسة قاموس «لو روبير» حول المصطلحات التي تخص الإسلام.
اهتم بالمتصوفة كابن
عربي والحلاج والبسطامي


اهتم كثيراً بالفكر الصوفي والأفكار النقدية داخل الفكر الديني الإسلامي. حرّر العديد من المقالات والكتب في هذا المجال. توجه باكراً إلى ترجمة الأدب العربي وتراثه. انطلق هذا المشوار مع ترجمة عمل الطيب صالح الشهير «موسم الهجرة إلى الشمال». بعدها، أشرف على العديد من الترجمات في «دار سندباد» (1974 - 1988)، تخص الفكر المُقصى من المؤسسة الدينية الرسمية، خصوصاً المتصوفة مع ابن عربي والحلاج والبسطامي والسهروردي. في الرواية والشعر والمسرح، كتب أعمالاً نالت جوائز مختلفة كما هي الحال مع ديوانه «مادة العصافير» (2002) الحائز «جائزة ماكس جاكوب للشعر».
إلى جانب اهتماماته الأدبية وتدريسه للأدب المقارن في الجامعات الأوروبية، عمل في الإذاعة لسنوات. في فرنسا، أنتج برنامج «ثقافات الإسلام» الذي ساءل الإسلام في مختلف تجلياته. وفي المغرب، كان له برنامج خاص على إذاعة «ميدي 1» الدولية. من الفكر الحلولي للحلاج إلى التطرف الأعمى للدولة الإسلامية في العراق، استضاف البرنامج أسماءً بارزة في الفكر والمعرفة.
تطرق المؤدب إلى المنسي والمُقصى والطارئ على حضارات الإسلام. حضارة قاربها في أعماله انطلاقاً من منظار الثقافة. هكذا حلل الظاهرة الإسلامية، لا بمفهومها الديني، بل بما طورته مجتمعاتها من مفاهيم وأنظمة ثقافية.
المفكر التونسي اصطف منذ البداية إلى صف التنوير، وراكم فكراً نقدياً تجاه بعض الظواهر الدينية. ربما ظلّ «مرض الإسلام» (2002 ـ تُرجم إلى العربية بعنوان «أوهام الإسلام السياسي») أبرزها. الكتاب أحدث جدلاً كبيراً، وترجم إلى 15 لغة، لكن الكاتب فضل تغيير عنوانه حين تُرجم إلى العربية كي لا ينتقل النقاش من مضمون الكتاب إلى عنوانه. تابع المؤدب التطورات السياسية والثقافية في العالم العربي مؤلفاً ومعلقاً كما في كتابه «الخطب المضادة» (2006) الذي أراده «تصدياً للأصولية» كما صرّح لدى صدوره. كذلك ألف كتباً عن فلسطين والتاريخ المشترك بين المسلمين واليهود، وتابع الربيع العربي في بلده وكتب عنه «ربيع تونس» (2011).