على شاطئ الرملة البيضاء في بيروت، قام المعماري والمنتج الموسيقي السوري أحمد خجا بنصب قوس خشبي منذ نهار الأربعاء. القوس الذي صمّمه خجا بمساعدة عبد الرحمن حمّود، مؤلف من صناديق خشبيّة مركبّة بوحي من تقنيّة بناء العقد. وتحتوي بعض تلك الصناديق على إضاءة تنير القوس والمساحة حوله. أمّا الصناديق الأخرى، فتحتوي على مكبرّات صوت. ما عليك سوى أن تقصد رملة البيضاء مع جهاز التلفون، وشبكه عبر البلوتوث مع العمل الفنيّ كي تتمكن من لعب الموسيقى التي تريد، مساهمة منك في مشروع «إذاعة مفتوحة».
قدّم أحمد خجا العمل المنتج بدعم من «آفاق»، و«السبيل»، و«نحن»، و«الخطّ الأخضر» للمرة الأولى في حرش الصنوبر في بيروت. لكنّ القوس كان قائماً وسط الحرش في تلك المنطقة التي لا يستطيع الوصول إليها إلا من يمتلك إذناً لذلك. من هنا رغب الفنان في نقل عمله من تلك مساحة العامّة إلى أخرى يستطيع أيّ كان الوصول إليها. وإذا كان مشروع «إذاعة مفتوحة» سيقدّم طوال الشهر الجاري عند شاطئ رملة البيضاء، إلّا أن خجا يقول لـ «الأخبار»: «سوف نحاول نقل المشروع إلى جميع المساحات العامّة في لبنان، خصوصاً تلك المهددة بخطر التحول إلى ملك خاص. كما سنعمل على تقديم المشروع خارج بيروت، في سائر المدن اللبنانيّة التي تعاني أيضاً من نقص المساحات العامّة“.
يعمل مشروع ”إذاعة مفتوحة“ على جلب الناس إلى الأماكن العامة في لبنان وتفعيلها، خصوصاً تلك المهملة بهدف لفت الانتباه إليها، وتفاعل الجمهور معها. شاطئ رملة البيضاء الذي ما زال حتى اليوم مفتوحاً للجميع، هو فعلياً ملك خاص لا ندري في أيّ يوم نصحى فيه لنجده مسيجاً كما حصل مع منطقة الدالية.
أطلق المشروع
المنتج السوري
أحمد خجا

غير أن عدداً قليلاً من أهل بيروت يقصدون ذلك الشاطئ، لأسباب عديدة منها تلوّث المياه، أو خوفاً من التعرض للسرقة أو الاعتداء. ذلك ناتج من اهمال الدولة اللبنانيّة والبلديات في توفير مساحات عامّة آمنة ونظيفة، تدعو أهل المدينة إلى مشاركتها. علماً أنّ معظم المدن العالميّة البحريّة وخاصّة المتوسطيّة مثل بيروت، تصحو وتنام على تفاعلها مع البحر. مثلاً في مدينة برشلونة، شاطئ رمليّ عام مقصود من الملايين من السياح من العالم سنوياً. تهتمّ البلديّة بإبقائه نظيفاً وحراسته وحمايته من التعدي، وينمو على خطّ مواز له (ضمن مسافة يفرضها القانون) عدد لا يحصى من المقاهي والمطاعم والبارات التي تحشد الزبائن من أولى ساعات الصباح حتى أواخر ساعات الليل، فتجد المدينة في تفاعل مع انفتاحها على البحر، وليس كما هي حال بيروت التي تدير ظهرها إلى البحر.
بالتأكيد، تلك العلاقة مع البحر في بيروت فرضتها سياسات وممارسات قديمة، منها إهمال الدولة اللبنانيّة لمراقبة تلوّث البحر، وعدم منعها استملاك الأملاك البحريّة، ثمّ السماح بإنشاء المنتجعات والمقاهي والمطاعم الخاصة على الشاطئ ذات تسعيرات الدخول الباهظة، وصولاً إلى تسييج الكورنيش البحري. جميع تلك السياسات جعلت بيروت مدينة متنكّرة لطبيعتها البحريّة. ولكن ها هو شاطئ الرملة البيضاء ما زال شبه مساحة عامّة، فحتى لو كنّا لا نريد السباحة في مياهه الملوثّة، يعطينا مشروع ”إذاعة مفتوحة“ الفرصة كي نقصده وحدنا أو ضمن مجموعات ليلاً كي نتمشى على الشاطئ ونستمع عالياً إلى موسيقى من اختيارنا. قد يبدو ذلك فعلاً بسيطاً وترفيهياً، لكنه في الحقيقة فعل مقاوم في وجه الخصخصة التي تجتاح المدينة والبلد. اذهب إلى شاطئ الرملة البيضاء وأعلن أن ذلك الشاطئ وذلك البحر وتلك المدينة لك، وأطلق موسيقاك عالياً في فضاء المدينة، واختبر في تلك المساحة التي يقترحها المشروع، فعل مشاركة مساحة عامّة مع مواطنين آخرين. لكن انتبه إلى عدم لعب موسيقى ”المخدرات الرقميّة“ لئلا تجد نفسك في مواجهة مسخرة دولتنا العظيمة!
المشروع الذي افتتح نهار الأربعاء، يوازيه برنامج يومي. هكذا لعب خيري إيبيش ومجد الحموي وأحمد خجا تسجيلات موسيقيّة نهار الخميس، واستقبل حفلة طبل أفريقي نهار الجمعة. أمّا الليلة فدعوة لمشاركة الرويات عن الداليّة والرملة البيضاء دفاعاً عن المساحات العامّة عند الساعة الرابعة والنصف، فيما تخصص سهرة الغد لموسيقى الريغي.