«بيروت مكثّفة» Intensive Beyrouth هو عنوان الكتاب الذي أطلقه المهندس المعماري يوسف طعمة ضمن «معرض الكتاب الفرنكوفوني في بيروت» مع Editions Norma الفرنسيّة. تولّت المهندسة المعماريّة والناقدة كارين دانا مهمة تحرير الكتاب وإجراء المقبلات فيه، علماً أنها تعمل حالياً على مشروع فيلم بعنوان «أحلام معماريّة» (إنتاج مشترك بين aaa Productions وشركة «أرجوان») حول الهندسة المعماريّة ليوسف طعمة. لإطلاق الكتاب، قدّم طعمة في زاوية «أغورا» محاضرة رافقه فيها الفنان زياد عنتر الذي يشارك عبر صوره الفوتوغرافية في الكتاب.

وقامت غادة الصايغ (محاضرة في معهد الفنون البصريّة والسمعيّة في «جامعة القديس يوسف») بإدارة المحاضرة والنقاش. خلال المحاضرة، تكلّم طعمة عن طبيعة مدينة بيروت المتحوّلة باستمرار. تحوّل لا يعتبره عائقاً بقدر ما هو مصدر إلهام له ولمكتبه المعماري. تحوّلات تفتح مجالاً أمام تحديّات كبيرة حول طبيعة ودور الهندسة المعماريّة في مدينة مثل بيروت. يجد طعمة أن الحرب علّمتنا أن نستثمر المساحة بشكل مختلف. خلال الحرب، كنّا أكثر حنكة في كيفيّة تطويع المساحات وإعادة توظيفها في خدمتنا، بأسلوب حر وغير رسمي. أمّا مع انتهاء الحرب وبدء مرحلة الهدم وإعادة الإعمار المنظم منه والعشوائي، فقد أقدمنا على مرحلة عبثيّة في العمران، خصوصاً في ما يطاول كثافة العمران العشوائي على البحر وفي الجبل. من جهة أخرى، يتخوّف طعمة من انعدام المساحات العامّة المشتركة والحرّة في بيروت، تلك المساحات التي تجمع الخاص بالعام. وتوقّف عند تحوّل منطقة وسط بيروت التابعة لشركة «سوليدير»، إلى منطقة ينتفي فيها العام. لا يمكنك التوقف لحظة في الشارع من دون أن تلتقطك كاميرات المراقبة، ويأتي أحد لسؤالك عن سبب وقوفك على الرصيف، في حين أنّه يُفترض أنك تمتلك حريّة التصرف والوقوف والانتظار في مكان عام كالشارع أو الرصيف.
خوف من انعدام المساحات العامّة المشتركة


يقدّم الكتاب توصيف طعمة للهندسة المعمارية لبيروت اليوم، وتنظيمها المديني، مستعيراً من الفنان السويسري جياكوميتي عنوان عمله الشهير «الرجل الذي يمشي»، ليصف بيروت بـ «رجل مريض يمشي». لا يهتمّ طعمة اليوم بمواضيع الحرب، بل ما يشغله مواضيع مثل الفراغ، والأفق، والجو. يشكل الفراغ جزءاً أساسياً من عمل طعمة. يعتبر أنه يؤمن احتمالات الحلم والحريّة. هكذا يستعرض في الكتاب تلك العناصر عبر أعمال نفّذها في لبنان. في فيلا T في قرنة شهوان مثلاً، كان الهدف دفع حدود الهيكل الأساسي، ومعه حدود الداخل والخارج لمساءلة أوسع للفضاء ضمن إطاره الوظائفي. هكذا، تمّ خلق مساحات واسعة وشاسعة لا تحدّها جدران، بل تؤمن فرصة لسكان الفيلا بتوظيف المساحات المطروحة وفق رغباتهم المتغيّرة وبطريقة خلاقة. أما في مشروع فيلا SC في العاقورة، وفيلا M في قرنة شهوان، فكان الهدف يصبّ في عدم الثرثرة على الطبيعة، بل بناء بيوت لا تفرض ذاتها بهيكليّتها كجسم غريب على الطبيعة، بل كجزء منه. حقّق ذلك عبر لون الحجر المستعمل والمتوافر في الطبيعة المجاورة، أو عبر خلق جدول مياه غير مرئي تحت البيت ليضفي صوتاً متناغماً مع المحيط، أو عبر تصميم المنزل بشكل يبدو كأنه جزء من منحدر أو جرف طبيعي في الجبل. أما في مبنى «جامعة القديس يوسف» الجديد، فكان الصمت والفراغ والمساحات العامة داخل المبنى وتفاعلها مع المساحات الخارجيّة من أهمّ العناصر التي تمّ العمل عليها. يختتم طعمة نصّه في الكتاب بسؤال «هل نستطيع أن نبني مدينة نشعر فيها كما نشعر أمام البحر والجبل وفي الغابة؟ في منطقة مفتوحة حيث يتمّ حصر المقاييس المدينيّة بحدها الأدنى، ويتحول التركيز إلى اختبار للّامحدود؟».
في مقابل نص طعمة، يقدمّ الكتاب ١٦ صورة فوتوغرافية للفنان زياد عنتر. يقول الأخير إنه عندما طلب منه تصوير بيروت، راح يبحث عن الطريقة المثلى لإنتاج تلك الصور. لكن بحثه قاده إلى قرار عدم تصوير المدينة، بل صوّر ــ من البحر ــ الخط الساحلي الذي يجمع مدينته صيدا ببيروت. اختار أن يتوقّف عن التصوير لحظة وصوله إلى حدود بيروت، وبذلك يقدّم لنا في الكتاب ١٦ صورة لا تحتوي فعلياً على صورة لبيروت. استعان الفنان بالأفلام المنتهية المدّة التي حصل عليها من «استديو شهرزاد» في صيدا، كما فعل في أعمال سابقة له، منتجاً صوراً خاصة لا يمكن التحكمّ بنتيجتها خلال فترة التصوير.
كما يشتمل الكتاب على مقابلات مع المعماري طوني شكر، والكاتب حازم صاغيّة، ومغنّي فرقة «مشروع ليلى» حامد سنّو ومديرها كريم غطّاس، والفنان زياد أبي اللمع، بالإضافة إلى نصّ بقلم المهندسة كريس يونس، ونصّ آخر بقلم كارين دانا.
«بيروت مكثّفة» يحاول إعادة فتح النقاش حول دور الهندسة المعماريّة في العاصمة ولبنان اليوم.



«بيروت مكثّفة» متوافر لدى «مكتبة أنطوان».