يسخر برنارد الحاج (1988) من الشركات الكبرى التي وحّدت الكون بضحكات شاهقة، وبأطفال يلهثون خلف المستقبل ويكبرون بسرعة قياسية كما في إعلانات «نستله». في Undressed _ Society’s Reflection In Its Brands الذي تحتضنه غاليري «آرت لاب» (الجميزة)، يبدد الحاج جهود وميزانيات الشركات الكبرى لإنتاج إعلان مثالي لمنتوجاتها. يوظّف تلك السمات الترويجية الفرحة لتعرية أزمات المجتمع، والتهكّم على ممارسات الشركات الإعلانية وأهدافها الربحية.
أزمات الجوع والسلطة، والتلوّث البيئي والفقر والغش، أصبحت مشاهد كابوسية ساخرة في اللوحات الـ 18 التي رسمها الحاج بالحبر الأسود، بينما اخترقتها لطخات حمراء.
الفنان اللبناني الذي درس التصميم الغرافيكي، عمل في شركة إعلانات كبيرة قبل أن يتركها أخيراً. وفي أعماله انطلق من جملة كانت تتردد هناك تقول بأن الإعلانات تعكس سلوك المجتمع، لكن بشكل لامع. ذهب الحاج إلى تجريب انعكاس المجتمع «الحقيقي» على المنتوجات العالمية التي تحاول الشركات المتعددة الجنسيات طمسه. وحين نقول حقيقياً، لن تتسلّق ذاكرتنا سوى مشاهد سوداء وبائسة. ماذا لو أن الإعلانات لم تكن حقاً مفرطة في التفاؤل كما اعتدنا على رؤيتها؟ ماذا لو أنها عكست بشفافية ـ وإن متطرّفة ـ المجتمع وممارساته الجماعية؟
من خلال اسكتشاته، يخترع الحاج دعايات مضادة ذكية، مستوحاة من اسم الماركة وشكلها،
يرسم أكثر المشاهد كابوسية عبر تضخيم كاريكاتوري ساخر


ومفهوم المنتج واغراءاته و«خدماته» للمشتري. تتحوّل البطاطا في علبة «ماكدونالدز» إلى مئات الأيادي الجائعة الموضوعة داخل جسد بشري هزيل أحمر. ورغم الأثر الإيجابي الذي تتركه بعض المنتوجات العالمية على الطفل، إلا أن الشركات نفسها تستغل دخل الطفل المنخفض في البلدان الفقيرة، فتدعوه بدلاً من الحصول على لعبة، إلى العمل لساعات في مصانعها. في لوحة لافتة، رسم الحاج بيضة «كيندر». وبدل أن تحتوي على لعبة صغيرة، يكوّر طفل أفريقي جسده الهش داخلها. وهي بالمناسبة اللعبة التي يفرح بها أولاد العالم ولا يراها أطفال الصومال مثلاً. وبقدر ما تبدو الرسومات خالية من الألوان الفاقعة، إلا أنّ الأحمر الدموي كاف ليجعل بعض الأماكن نافرة وفجّة. أسلوب صادم يتمثّل أيضاً في رسم أكثر المشاهد كابوسية عبر تضخيم كاريكاتوري وبعض العناصر الكارتونية الهزلية. هكذا، أدخل في معظم الأعمال أعضاء وممارسات بشرية وحيوانية منفّرة. تتحوّل زجاجة بيرة الـBudweiser إلى جسد امرأة تظهر مؤخرتها، تشّد حشرة لباسها الداخلي. أما كوندوم «دوركس»، فيتضخّم وتظهر له أنياب قبل الانقضاض على فريسته. الفوضى المزعجة تطغى على لوحات المعرض، فلا تغيب قضبان السجن عن الـ «آيفون»، ولا الوطاويط والسائل اللزج عن عطورات «جادور». يستخدم الحاج اسم منتج RedBull (bull تعني الثور بالعربية)، ليرسم ثوراً يهشّم قنينتها بالطاقة نفسها الذي يولّدها المشروب لدى المستهلك. إلى جانب اسكتشاته، أنجز الحاج إعلانين قصيرين بالأسود والأبيض أيضاً. الشريطان الساخران المصوّران، يلعبان على النتيجة العكسية التي يفترض أن يخرج بها المنتج. بالأسلوب نفسه. ينتهي إعلانا الخلّاط وبارودة الصيد بمآسٍ، تستدعي ظهور اللون الأحمر أي الدم الذي تضع الشركات الكبرى ميزانيات هائلة كي تخفيه عن أعيننا.

Undressed: حتى 29 تشرين الثاني (نوفمبر) ــ غاليري «آرت لاب» (الجميزة ــ بيروت). للاستعلام: 03/244577