ليست المرة الأولى التي تكرم فيها الأوركسترا الوطنية «الحديثة» (أي ما بعد وليد غلمية) ابن الأشرفية الذي لطالما بشّر بفنه من عرزال الساحة، حيث كان يطرب حي الأشرفية المكلل بالقرميد آنذاك، ويستمع إلى تجويد الجوامع المجاورة. إنّه إيلي شويري (1939 ـ مواليد الأشرفية) الذي بدأت رحلته في الكويت، حيث وجد حضناً للفن الأصيل مع جوقة الإذاعة العربية. وحالما انطلقت فرقة «الأنوار» في لبنان، عاد إلى وطنه ليؤسس لعهد موسيقيٍ جديد مع رفاقه آنذاك.
كزملائه المبدعين من نصري شمس الدين، وديع الصافي، ملحم بركات، جوزيف عازار، مروان محفوظ، جوزيف ناصيف، وجد «سعدو» في مسرح الرحابنة النافذة التي تستوعب مواهبه المتعددة، واستخلص منه الرحابنة الصوت الرقيق الذي يشبه «أول قطفة لوز»، والممثل الذي يتقمص شخصية المشاغب بخفة ظل جعلتنا نتعاطف مع «الشرير» ضمناً، مثل «شاكر الكندرجي» («صح النوم»)، «شهوان» («جبال الصوان»)، «عيد» («بياع الخواتم»)، «خفيف» (مسلسل من يوم ليوم») وغيرها من الأعمال الرحبانية. إلى جانب الأخوين، قدّم شويري ثلاث مسرحيات مع صباح. وعقب خلافه مع الرحابنة عند اندلاع الحرب الأهلية عام 1975، وبعدما شارك معهم بـ 25 عَمَلاً، اشتغل مبدع «بكتب اسمك يا بلادي» في إذاعة «صوت لبنان». بدأ يتألق كملحن مخضرم، فغرف العديد من الفنانين من فيضه، أجمل الأغنيات والأناشيد الوطنية كلاماً ولحناً. نذكر مثلاً صباح (أيام اللولو، تعلا وتتعمر، تسلم يا عسكر لبنان)، غسان صليبا (يا أهل الأرض)، جوزيف عازار (بكتب اسمك يا بلادي)،
تقديم سبع أغنيات للوطن والجيش من تأليفه وتلحينه

صابر الرباعي (يلي بجمالك). تميزت أعماله بالكلام الوطني واللحن الشرقي القريب من الناس. أدخل المقام الشرقي في الأناشيد، وجعل مناخ المقام أحياناً يسيطر على كلام الأغنية (مثل مقام الصبا الحزين في «صبي ولا بنت»). كما لحن لماجدة الرومي «يا قطر» التي أثارت جدلاً واسعاً، وأعاد توزيع بعض الأغاني القديمة بالتعاون مع بلال الزين. أما في الأمسية التكريمية التي تقام الليلة في «قاعة بيار أبو خاطر»، فستؤدي الأوركسترا بقيادة أندريه الحاج مع الكورال سبع أغنيات للوطن والجيش من تأليف وتلحين شويري، علماً بأنّه سيغني إحداها خلال الحفل تناسباً مع عيد الاستقلال الذي يصادف نهار السبت. تأتي استعادة الأوركسترا لأعمال إيلي شويري بعدما كان الراحل وليد غلمية يستبعد العديد من الموسيقيين الذين اعتبروا من مؤسسي النهضة الموسيقية اللبنانية. كان يكتفي بإدراج ألحان زكي ناصيف في برامج حفلات الأوركسترا، وحاول جاهداً تعويد أذن المستمع اللبناني على الموسيقى الخالية من الكلام. ورأى في تأسيس «الأوركسترا الوطنية اللبنانية للموسيقى الشرق عربية» عام 2000 معبراً لنقل الموسيقى الشرقية إلى مكانِ مختلف. اشتغل على إعادة توزيع الألحان بتكثيف الهارموني الى حد الطغيان على اللحن الأساسي أحياناً، كما أخذت أمسيات الأوركسترا طابعاً مغايراً لنمط الموسيقى الشرقية بانعدام التقاسيم المرتجلة، وعدم إعطاء دور «فني» للعازفين أكثر من «أداء ما هو مدوّن». يعتبر بعضهم أنّ هذه الطريقة جيدة رغم قساوتها على المستمع وعلى أعضاء الفرقة، فيما يرى فيها آخرون ابتعاداً عن الهوية الشرقية وتقليداً لقوانين التأليف الغربي. لدى أندريه الحاج الهدف عينه، أي تقريب المستمع العربي إلى اللحن الصافي بدون تسويقه عبر الأغنية. لكنه كما يصرح لـ«الأخبار»، يقاربه بتأنٍ ولا يسعى إلى حذف عنصر الارتجال من معادلته. كما يرى أن أهمية الموسيقى العربية هي في أفقيتها أي اللحن، فإذا ابتعدنا في التأليف الهارموني العمودي، أفقدناها أهم عناصرها، وهذا هو التحدي الذي يواجهه من يعدّ عملاً لأوركسترا كاملة، وهو السبب الذي يجعل «أركسة» الموسيقى الشرقية عرضة للتساؤل والنقد أحياناً. نرى أمسيات الأوركسترا الحديثة أكثر تنوعاً من حيث كثرة التقاسيم وتنوع مولفي الأعمال المعدة، حتى إنه يقلص الفرقة أحياناً كي يحترم حميمية الموسيقى التقليدية لبعض المؤلفات كأعمال فيلمون وهبة. وبالحديث عن مستقبل الأوركسترا، يشير الحاج إلى أنه يطمح إلى إيصالها الى الجمهور الأوروبى الذي يرى في موسيقانا ما يميزها عن الكلاسيك الغربي. كما يرى أن الفرقة أنجزت الكثير من حيث الدقة في تنفيذ الأعمال وتنويعها ومثابرة أعضائها. وهو يعمل حالياً على دعوة قائدين من الخارج ليقودا الفرقة، فاستقدم الشهر الفائت المؤلف وقائد الأوركسترا السوري عدنان فتح الله، كما سيأتي أيضاً من الأردن المؤلف وعازف البيانو هيثم سكرية، ويعتبر هذا الانفتاح ضرورياً لإغناء مخزون الفرقة.

* تكريم إيلي شويري: 20:00 مساء اليوم ـــ «قاعة بيار أبو خاطر» (طريق الشام ـ بيروت) ـ للاستعلام: 01/421000