أول من أمس، أضاف «يوميات شهرزاد» جائزة إلى تتويجاته الكثيرة في المهرجانات العربية، فحاز أول «جائزة صلاح أبوسيف» لأفضل فيلم عربي ضمن مسابقة «آفاق السينما العربية» في «مهرجان القاهرة السينمائي». تأخذنا المخرجة والممثلة اللبنانية إلى داخل سجن بعبدا حيث تطالعنا قصص السجينات اللواتي يتقمصن شخص شهرزاد ليبحن بأسرارهن في مقتطعات مصوّرة من المسرحية التي نفذتها زينة دكاش ضمن مشروع «شهرزاد ببعبدا» (الأخبار 26/4/2012).
تمزج المخرجة بين المسرح وواقع السجينات الذي واكبته عن كثب لترسم بورتريهاً أكثر ما يمتاز به هو الحميمية في مقاربة هؤلاء النسوة اللواتي تتاح لهن فرصة التعبير للمرة الأولى. الزواج مثله مثل الجنس مثل الأمومة التي تبعته... كله كان بالإجبار من دون أن تكون لهن حرية الرأي أو القرار. وغالباً ما تكون المحاولة الوحيدة واليتيمة لرفض حياة الخضوع هي التي أودت بهن إلى السجن كما في حال السجينة التي كان زوجها يعنفها ويخونها باستمرار. وحين خانته بدورها، اتهمت بالزنى وأدخلت السجن، أو تلك المتهمة بقتل زوجها الذي كان يضربها باستمرار. من خلال الألفة التي تكونت بين دكاش والسجينات، تمكنت المخرجة بعفوية من قودهن إلى البوح،
لا يعرفن عن
الجنس إلا الاغتصاب الزوجي

فسردن لها بشفافية أكثر التفاصيل خصوصية من الطفولة إلى اختبار الجنس وصولاً إلى الأمومة. لكن الموجع أنّ أغلبهن لا يعرفن عن الجنس إلا الاغتصاب الزوجي. أما الأمومة، ففرضت عليهن أيضاً في سن مبكرة، وهن لم يعرفن من حب الأم سوى الضرب والتعنيف. لكن في السجن الذي كبرن فيه، تعلّمن معنى الأمومة كما بقية المفاهيم الأخرى. ولو أن الشريط يتناول قصص سجينات بعبدا، إلا أنه يقدم وثيقة مهمة وصادمة عن وضع المرأة اللبنانية في ظل القانون المجحف بحقها الذي لا يقل ذكورية عن المجتمع. وبدلاً من حمايتها، يعاقبها إن تمردت، إلى درجة أنّ السجن يصير ـ للأسف ـ ملجأ للمرأة من العنف والقهر اليومي الذي تعانيه سواء من المجتمع أو العائلة أو الزوج. حتى أنّ بعضهن لا يردن مغادرته خوفاً من قسوة الخارج كما في حال السجينة التي تقول بأنها وجدت هنا بيتاً وعائلة. تعتمد المخرجة على العفوية في السرد السينمائي. تقترب بالشريط من نمط الريبورتاج أو تلفزيون الواقع، فتولي أهمية أكبر للحوار والتوغل في اكتشاف شخصياتها أكثر منها لجمالية الصورة والسرد السينمائي. لكن من إيجابيات ذلك إبراز الحميمية والعفوية التي تميز علاقتها بالسجينات، وتضيف إلى هذا الشريط خصوصيته، فندخل معها إلى عالمهن الداخلي وتصلنا أصواتهن بحرية ولو من خلف القضبان.

* «يوميات شهرزاد»: بدءاً من اليوم في الصالات اللبنانية