احتاج سامي خيّاط إلى ثلاثة أشهرٍ لكتابة مسرحيته «قرف» والإعداد لها مع الممثلين: جاد سعد، إيلي سابا وفيرا درزي على خشبة «مسرح مونو». رشيقٌ هو سامي خيّاط في مسرحه الذي يندرج ضمن أعمال الشانسونييه. لا يمكن فهم المسرحية إلا إذا أخذناها إلى منطقها الأصلي. مسرحٌ ساخر، يستعمل وسائل «مباشرة» في التعامل مع جمهوره، قد تكون «طفولية» حيناً، و»مداعبة» في أحيانٍ أخرى، لكنها تهدف إلى استعمال «الحقائق» المباشرة وتحويلها إلى خليطٍ مضحكٍ يجذب الجمهور. ونشط هذا النوع لبنانياً خلال فترات الحرب في الثمانينيات مستمراً حتى اليوم.
اعتاده الجمهور لأنه لا يتطلب عادة «تحضيرات» هائلة وجموعاً كبيرة من الممثلين، فضلاً عن سهولة النص والأداء التي تجعل المشاركة فيه «سهلةً» نسبياً، ولو احتاجت إلى مهارات كثيرة للاستمرارية والنجومية. صفتان بالتأكيد يمتلكهما خياط الذي يعتبر واحداً من رموز هذا النوع من المسرح في لبنان.
تأتي «قرف» أو كما بالفرنسية carafe وهو لعبٌ ذكيٌ على الكلام (تعني مجازاً «علقنا بالقنينة»، فـ carafe هي القنينة ذات العنق الطويل والضيق). والتعبير يستعمله خياط في مسرحيته بتقنية،
وقع في مطبّ العنصرية في بعض الاسكتشات
إذ حاول قدر الإمكان إظهار ما يمرُّ به اللبناني حالياً. يتقمص خياط كالعادة شخصياتٍ يوميةٍ حقيقية يستعملها لإبراز ما يريد قوله. ربما يأتي «اسكتش» التلفون والكذب واحداً من أهم المقاطع في المسرحية. يقول إن علاقة «اللبناني» مع التلفون قائمة على الكذب، فهو يكذب بحرفيةٍ على التلفون وبشكلٍ دائم، فهل ستمنعه التكنولوجيا والتطور من القيام بذلك أو ستوقفه عنه؟ يعري خيّاط المشهد بأكمله، ويظهره أمام جمهوره الذي يتفاعل معه بضحكاتٍ عالية في الصالة.
حاول خياط قدر الإمكان إبقاء جمهوره متيقظاً، متنبهاً لما يريد قوله، لكنه ابتعد أحياناً عما يريد قوله ليغرق في فخاخ «العنصرية». هو ربما لم يكن ينوي ذلك، لكن المشهد لأي «أجنبي» يبدو كذلك: هو لا يسخر من «الفرنسي»، بل يناقشه بـ»لغته» و«بيهزر معاه» بالعامية المصرية. أما إذا كان الموضوع عن السوري أو الفلسطيني أو المصري أو الهندي، فذلك شأنٌ آخر. يتناول خياط تلك الجنسيات بسخريةٍ «لبنانية» مؤلمة بعض الشيء. السوري والفلسطيني يدلانه ـ بحسب المشهد ـ على «مسرح مونو»، مستعملين لهجتيهما الخاصتين، مع العلم بأن عدد الفلسطينيين في لبنان في تناقصٍ مستمر، لكن شعور اللبناني المدهش «بالاضطهاد» يجعله يستحضر «الوحش» الفلسطيني عند كل زاوية. السوري مشكلةٌ آنيةٌ كان لا بد من استحضارها في المسرحية. أما الهندي مثلاً فهو يظهر «تافهاً» «غبياً» لا يرى في لبنان إلا «مالاً». ربما هو أسلوب الشانسونييه في «تعظيم» الأشياء بشكل كاريكاتوري، لكن ماذا لو عرضت هذه المسرحية في مخيمٍ فلسطيني أو في الهند؟ هل ستكون بهذا الشكل؟
تقنياً، بدا خياط متمكناً من حرفته مرتدياً قميصه الأحمر اللامع. هو ممثلٌ محترفٌ، يتحرك، يرقص بخفةٍ لم يأخذ العمر منها شيئاً، لكن ممثليه لم يكونوا بالمهارة والحرفية نفسيهما. فيرا درزي أو الـeye candy كما التعبير بالإنكليزية، لا تقدّم الكثير في المسرحية. ربما موهبتها أكبر، لكن المشاهد لا يلحظ ذلك كثيراً وهذه أيضاً مشكلة إيلي سابا. وحده ربما جاد سعد أظهر مهارةً تجعل المشاهد ينتظر منه شيئاً أكبر في المسرحيات المقبلة.

«قرف»: حتى 14 كانون الأول (ديسمبر) ـ «مسرح مونو» (الأشرفية) ـ للاستعلام: 01/218078