طلال حيدر*عندما رحل فلليني في إيطاليا، لم يقل أحد للشعب الإيطالي أن يحزن أو ينكّس الأعلام. عندما عرف الناس بموته، فعلوا ذلك من تلقاء أنفسهم. أوقف سائق التاكسي سيارته وانحنى، وكذلك فعل الموظفون ورواد المقاهي وربات المنازل والمارة في الشوارع. وقفت إيطاليا ساعةً في الطرقات حداداً عليه. أما نحن... في هذه الدولة المعتّرة التي وصلنا فيها إلى عصر الانحطاط كبلد، على الأقل فليعلنوا الحداد. ولو كان هناك عالم عربي حقيقي لأعلن الحداد. عندما يتجاوز شاعر أو فنان ما حدود بلده تحزن عليه كل البلاد.

أطلب من كل اللبنانيين أن يقفوا دقيقة صمت على غيابه. وبغض النظر عن مواقفه السياسية، وبغض النظر عن تأليهه للبنان، وسواء أعجب به البعض أو لا، فإن سعيد عقل لن يتكرر.
كانت المحكية زجلاً قبله. سعيد عقل هو أول من جعل الشعر بالمحكية يستحق أن يوصف بالشعر. لم تكن العامية بديلاً بالنسبة إليه. هو من أرسى دعائم الفصحى والرديف الذي هو اللغة المحكية.
بغياب سعيد عقل، سننتظر مئات السنين لكي يأتي أحد ما ليكمل الطريق. سعيد أخذ جملته وراح. عاصي الرحباني فعل ذلك قبله وراح. زياد أكمل الطريق بطريقته. ولكن سعيد عقل صعبٌ أن يكمل أحد طريقه.
* شاعر لبناني