قبل أسبوع، توفيت مولودتان في عرسال هما ابنتا لاجئين سوريين في لبنان. عن عمر ثلاثة أيام، توفيت الرضيعتان من شدّة البرد في مخيمات اللاجئين الرازحة تحت الثلج. الخبر «شيّره» حامد سنو، مغنّي فرقة «مشروع ليلى» على فايسبوك نقلاً عن مقال صدر على موقع «ديلي ستار» الإلكتروني، مع تعليق: «كلّنا وحوش». نعم كلّنا وحوش. وحوش ترقص فوق تابوت الإنسانيّة. وحوش تبنّت همجية الدولة اللبنانية في تعاطيها مع ملفّ اللاجئين السوريين في لبنان، واستكانت في طمأنينة الموت. لكن لا بدّ أن نصحو يوماً ونبصر بأعيننا ما اقترفته أيدينا، فنصرخ لأوديب كي يساعدنا في فقر عيوننا، وللايدي ماكبيث كي تغسل لنا أيدينا.
لكن إلى حينها، نستأذن الفنان البصري علاء ميناوي كي نستعير عمله التجهيز الضوئي «نورٌ يرتحل...» في «مهرجان أمستردام للضوء 2014» ككفّارة عن جرائمنا. عمل يقدّمه تحية للاجئين السوريين الذين يعانون من أقسى الظروف الإنسانيّة، كما هو تحيّة للمهجَّرين جميعاً، قائلاً عنه: «عندما يُغادر الناس مدنهم مرغمين، لا يخلّفون وراءهم بيوتاً، وصداقات، وألعاباً، وأعزّ ما يملكون فحسب، بل يفقدون أيضاً جلدهم وتتساقط أطرافهم وتذهب في البعيد ذكرياتهم. يتحوّلون إلى خطوط من نور... نورٌ يرتحل». كأنه يتكلم عن شيء أفظع من فكرة الرحيل، يتكلّم عن موت تلك الطفلتين، عن الموت.
في قالب ضوئي، يرسم ميناوي مجسّمات ستّة من مصابيح النيون. وتشكّل هذه المجسّمات مجتمعةً عائلة مهجَّرة، من أمّ وأبّ وجدّ وعمّة وأولاد. منذ سنوات، ما زالت هذه العائلة تمشي، ويبدو أنّ أصغرهم قد لمح شيئاً أثار اهتمامه، فتوقف لحظة عن السير والتفت باحثاً عن تفاعل مع أحد المارّين به.
عمل يخاطب إنسانيّتنا ببساطته. ذلك الطفل توقف لحظة واستدار كي يقول شيئاً، كي يخبرنا رواية، كي يسألنا سؤالاً، أو ربما كي يبقى صامتاً. لما ندافع عن أرض، ونحارب ونقتل، إن كانت تلك الأرض تقتل أطفالاً ساعات بعد إنجابهم؟ «نور يرتحل...» صرخة كي نلتفت إلى تلك الالتفاتة، كي لا تتحول إلى التفاتة زوجة لوط. «نور يرتحل...» مرّة أخرى وبالإذن من علاء ميناوي إهداءٌ لتلك المولدتين، لعل نورهما الذي ارتحل، يضيء بصيرتنا.