«الناس كأسنان المشط كلهم سواسية». جملة علّقتها الصحافية رغداء مارديني إلى جانب مشط مكسور الأسنان على جدار مكتبها يوم كانت مسؤولة الصفحة الأخيرة في جريدة «تشرين» السورية، قبل أن تصبح رئيسة تحرير المؤسسة. يومها، كانت تفتح بابها أمام كل من يود زيارتها وتزويدها بأخبار تهم صفحتها طالما أنّ المنبر الحكومي هو لكل السوريين. لكن دورة الزمن أثبتت مدى حقيقة الحكمة التي علّقتها مارديني. سلوكها دفع صحافيين في «تشرين» أخيراً إلى تدشين صفحة على فايسبوك بعنوان «ماذا يحدث في جريدة تشرين؟»، إذ راحوا ينشرون أخباراً وتسريبات عن «فساد واستبداد رئيسة التحرير».أول من أمس مثلاً، نشروا: «موظفون في جوقة رغداء مارديني يشغلون أكثر من منصب في الجريدة، ويقومون بتوظيف أقربائهم مقابل السكوت عن الأخطاء والتجاوزات. الأسماء متوفرة وستنشر قريباً». في الواقع، جاءت هذه الصفحة بعد تراكمات وتجاوزات كثيرة تحدث في كواليس الصحيفة الحكومية السورية، وخرج بعضها إلى العلن بعدما باتت منقسمة بين الساخطين على رئيسة التحرير والمناصرين لها.

وإذا عدنا قليلاً إلى التاريخ القريب للصحيفة الرسمية، فقد سرت موجة من السخط في الوسط الإعلامي السوري إثر تولي سميرة المسالمة منصب أوّل رئيسة تحرير في تاريخ الصحافة السورية الرسمية، واتهمت آنذاك بأنّها تُدار من فروع أمنية. بعدها، اشتعلت معارك بينها وبين عدد من الصحافيين أبرزهم زياد غصن ورغداء مارديني (الأخبار 4/3/2010)، لكن المسالمة سرعان ما حفرت بيدها نهاية قصة وفاقها مع السلطة يوم أطلقت تصريحات مناهضة لأجهزة الأمن فأقيلت.
وكان أن خلفها في «تشرين» الزميل زياد غصن الذي لم تطل اقامته في المنصب سوى فترة قصيرة. سرعان ما حلّت مكانه رغداء مارديني في تشرين الثاني (نوفمبر) 2012.
الأخيرة طبّقت حكمتها الشهيرة، فكانت سواسية مع غيرها من متسلطي الأزمة على المؤسسات الإعلامية هذه الأيام وفق ما يقول لنا إعلاميون في المؤسسة. سرعان ما حوّلت مارديني الصحيفة إلى «ما يشبه الملك الشخصي» وفق ما يقول لنا صحافيون في «تشرين» فضّلوا عدم الكشف عن أسمائهم خوفاً على مستقبلهم، خصوصاً أنّ رئيسة التحرير «امرأة أمنية، وتهمة التخوين باتت شمّاعة جاهزة لكل من يحيد عن خط التشبيح». لكن كيف يحدث ذلك وماذا تفعل وزارة الإعلام حياله؟
يجيب صحافي بارز في الجريدة بأنّه «بكل بساطة صارت مارديني تعمل كمخبرة على فريقها لصالح وزير الإعلام (عمران الزعبي).
فهل يُعقل أن يجري صحافي تحقيقاً يفضح فيه الفساد في مكامن مهمة من الدولة؟ وبدلاً من نشره والثناء عليه،
انطلاق صفحة على فايسبوك
ترمي إلى فضح التجاوزات الحاصلة في المؤسسة



تقوم رئيسة التحرير بتحويله إلى الوزير على شكل مذكرة وشكوى». على صعيد آخر، يُفصح موظفون في «تشرين» بأنّ «الصحافي سعيد هلال الشريفي أُقيل نتيجة خلاف شخصي مع رئيسة التحرير. كما أنّ مارديني منعت عنه راتبه التقاعدي رغم إمضائه ربع قرن عاملاً في الجريدة وإصابته بنوبة قلبية».
كذلك، يكشف لنا الصحافيون عن إجراءات اتخذتها مارديني بحق مجموعة من زملائهم دعت إلى تجميد عملهم بشكل غير مباشر لامتناعهم عن التطبيل للسلطة. هكذا، اقتطع جزء كبير من راتب أحد الموظفين، فقبض لقاء شهر كامل حوالى عشرين دولاراً أميركياً فقط. وخلال الفترة الأخيرة، نقلت مارديني ما يقارب 18 صحافياً بشكل قسري من مناصبهم، بينهم مصطفى علوش مسؤول صفحة «عكس الجد»، وعلي الراعي رئيس القسم الثقافي، وفريال زهرة محررة صفحة المجتمع، مقابل انتقاء مدراء جدد للأقسام بناءً على حجم الولاء وبعيداً من المؤهلات. علام العبد مثلاً اختير رئيساً لقسم المحليات رغم أنّه يحمل شهادة ثانوية صناعية، وفق ما يؤكد لنا زملاؤه. كما تخصص مساحة في الصفحة الثقافية لمقالات ضعيفة يكتبها مدير مكتب وزير الإعلام ضياء مشمش الذي يمرّر طلبات مارديني لدى الوزير.
وهذا ما حصل مثلاً عندما وظّفت ابن أخيها مهند سليمان في التلفزيون السوري. هكذا، تحوّلت الصفحات التي حوت في الماضي أسماء مثل محمد الماغوط، وزكريا تامر، مساحة للرشوة يستخدمها بعض المؤيدين لسياسة رئيسة التحرير. على خط موازٍ، نشب خلاف بين «تشرين» والشاعر أدونيس حين أجرت معه حواراً طلبت مارديني تحوير بعض مضمونه. غير أنّ صاحب «مفردة بصيغة جمع» رفض ذلك، وطلب عدم نشر الحوار، وهذا ما حصل! أخيراً، يُفصح العارفون داخل الجريدة عن طريقة سير خطتها الإلكترونية، إذ «تم استحداث موقعين إلكترونيين، لكن المؤسف أنّهما كانا مساحة لفساد أكبر، إذ يُعمل فيهما وفق آلية القص واللصق عن وكالة «سانا» وغيره». في كل الأحوال، لا يزيد أداء صحيفة «تشرين» إلا من حالة الموت السريري الذي يعانيه الإعلام السوري اليوم!




كلام الناس لا بيقدّم...!


في اتصال مع «الأخبار»، رفضت رئيسة تحرير «تشرين» رغداء مارديني الردّ على الشكاوى التي قدّمها فريقها ضد سياستها، معتبرةً أنّها ليست في موقع الاتهام لتدافع عن نفسها، وأردفت بالقول: «عملي يتكلّم عنّي، أما غير ذلك، فقد صار مراده أن يطاول البلاد بطريقة مغرضة». وعن بقية الاتهامات، اكتفت بالقول إنّه «تعرفونني جيّداً وقد رددتم كل اللوم على أصحابه عندما ذكرتم طريقتي في التعاطي مع زملائي حتى عندما كنت أقل خبرةً وأدنى منصباً». من جهة ثانية، وعن قصة الكمبيوترات التي وصلت إلى الجريدة من الكويت وتوزيعها على معارفها، توضح أنّها «جاءت تبرّعاً من الجاليات السورية هناك، ودخلت بشكل نظامي، ووزّعت على رؤساء الأقسام بمعرفة واطلاع رئاسة مجلس الوزراء».