القاهرة | بعد مسيرة حافلة مع الكاميرا، غيّب المرض المخرج نادر جلال (29 يناير 1941- 16 ديسمبر 2014) الذي انطفأ أمس عن عمر ناهز 73 عاماً وشيِّع في اليوم نفسه من «مسجد السيدة نفيسة» في القاهرة، على أن يقام العزاء غداً الخميس في «مسجد الرحمن الرحيم» في شارع صلاح سالم. مسيرة حافلة أمضاها نادر جلال مخرجاً وراء كاميرا السينما.
خلق لنفسه مساراً خاصاً بين أبناء جيله، فكان الأكثر تأثيراً في أفلام الأكشن والحركة التي ملأت السينما المصرية صخباً في الثمانينيات والتسعينات. ارتبط اسمه بالممثلة نادية الجندي التي أخرج لها العديد من الأفلام الناجحة في تلك الفترة.
رغم حصوله على بكالوريوس التجارة وإدارة الأعمال، إلا أنه فضّل المجال السينمائي الذي قدّم فيه أكثر من 52 فيلماً. دراسته لإدارة الأعمال لم تبعده من السينما، بل حصل على دبلوم الإخراج من معهد السينما عام 1964. من أبرز الأفلام التي أنجزها: «جنون الحب»، «بخيت وعديلة»، «5 باب»، و»حسن اللول».
كما عمل مساعد مخرج في فيلم «الشقيقان» عام 1965، وأخرج المسلسل الدرامي «الناس في كفر عسكر» للنجمة دلال عبد العزيز، ومسلسل «درب الطيب»، «أماكن في القلب»، «ظل المحارب»، و»حرب الجواسيس».
بالرغم من انتقاد بعضهم أفلامه،
فترته الذهبية كانت عندما
تعاون مع «الزعيم» عادل إمام

وتصنيفها على أنّها تجارية خالية من المضمون والهدف، إلا أنه استطاع أن يؤسس لرؤية فنية مختلفة. حاول أن يمزج بين البساطة والحركية التي تشهدها الحياة المصرية ضمن إطار غلبت عليه السخرية.
في أحد حواراته قال: «لقد تم تغييبنا واستبعادنا أنا وجيلي من السينما بعد دخول جيل جديد. والمفروض أن تتواصل الأجيال ويعمل الجميع بخبراته، ولا يتم إقصاء جيل من أجل جيل آخر. هذا خطأ كبير يؤثر سلباً في الخبرات المطلوب توافرها في الساحة الفنية». وأضاف: «لذا اتجهت مع جيلي مثل خيري بشارة وعلي عبد الخالق إلى الدراما التلفزيونية، وأعتقد أنّنا حققنا فيها أيضاً النجاح ولمسة خاصة في مجال الصورة».
لعل الفترة الذهبية لنادر جلال كانت تلك شهدت تعاونه مع الفنان عادل إمام. ظلت أفلام مثل «جزيرة الشيطان»، و»5 باب»، و»الإرهابي» عصية على النسيان. في «الإرهابي» (1994)، حاول أن يتناول فترة الإرهاب في التسعينيات من خلال حكاية مباشرة تسلّط الضوء على طبيعة عمل الجماعات الإرهابية في المجتمع المصري.
بعد ذلك، تابع في «بخيت وعديلة» (1995) طبيعة عمل السلطة التشريعية في مصر، وطريقة خوض الانتخابات، وكيفية تحول المجتمع في تلك الفترة إلى مجموعة من اللوحات الدعائية لمرشح بعينه، قبل أن يوازن في «هاللو أمريكا» (2000) بين الرأسمالية والبرجوازية. مع النجمة نادية الجندي، عمل على ما يمكن تسميته «أفلام الجاسوسية» التي تعلي من قيمة البطولة الفردية. في فيلمه «مهمة في تل أبيب» (1992)، تمكن من إبراز حالات التعذيب التي تعرضت لها البطلة من خلال الكراسي الكهربائية ولقطات الصراخ المتكررة.
بالرغم من النجاحات المتكررة التي حققها، إلا أنّه مرّ في بعض لحظات الضعف والهزيمة. قال عن فيلمه المميز «بطل من ورق» (1988) للفنان ممدوح عبد العليم: «حزنت حين عُرض الفيلم في الصالات لأنّه لم يحقق شيئاً خلال 3 أسابيع عرض فقط. وعندما عرض على القنوات التلفزيونية، ظنّ الجمهور أنّه لم يطرح في الصالات من الأساس.
حقق الفيلم نجاحاً كبيراً مع جمهور الشاشة الصغيرة». لكن بين الانكسار والضعف، تأتي بعض المحطات التي تتوّج الانتصار، وهذا ما حدث في فيلم «سلام يا صاحبي» من بطولة عادل إمام وسعيد صالح. فترة شيقة أمضاها جلال بين الأشرطة السينمائية التي يُلصق اسمه عليها. نادية الجندي نجمة الجماهير كانت أبرز من عملوا معه في أفلام حملت توقيعه مثل «أمن دولة»، «مهمة في تل أبيب»، و»جبروت امرأة». في أحد الحوارات، قال إنّ النجم عادل امام ليس دونجواناً ولا يتمتع بمواصفات فتى الشاشة «الوسيم»، الا أنّه يحيا في قلوب الملايين في مصر والعالم العربي لبساطته وملامسته لوجدان «رجل الشارع المصري» قبل أن يضيف «في الحقيقة أنا عصبي في حياتي الشخصية وفي «البيت»، ولكن في العمل، صفاتي هي الهدوء الشديد، وقد يكون «دمي حامياً» في العمل، لكني أرفض الضوضاء والصوت المرتفع. ورغم هذا، فباعتقادي أنّ العصبية والقلق من سمات المخرج المحبّ لعمله».
أما عن معايير النجاح، فقد كان نادر جلال يرى أنّ العمل السينمائي يعتمد على ثلاثة أركان هي: الفكر الجيد أي القصة والسيناريو، والتوصيل الجيد أي الإخراج والتمثيل، والقبول الجيد أي المشاهد، خصوصاً أنّ الفن لا يصنع من أجل الفن فقط بل «كخدمة اجتماعية للمجتمع الذي نعيش فيه سواء أكان مصرياً أم عربياً». بساطة الفكرة هي الحصان الأسود الذي لعب عليه نادر جلال خلال مسيرته الفنية.