باريس | في ألبومه الجديد «ما زال»، يتعاون الفنان المغربي عزيز سحماوي مع مجموعته «جامعة كناوة». مجموعة تنهل من إرث الإيقاعات الموسيقى المغاربية والأفريقية ممزوجة بآلات موسيقية غربية.«ما زال» التي تعني في العامية المغربية «لا يزال»، هو العنوان الذي يلخص وضعية الفنان. هو وإن كان يقيم في باريس منذ ثلاثين سنة، لا يزال قلبه وجذوره في أفريقيا الأم. إيقاعات القارة السمراء تسري في سحماوي الذي يعني اسمه «شديد السواد»، فنشهد تنوعها وغناها الشاسع.

وبهذا يكون ألبوم «ما زال» خطوة جديدة ترسخ مكانة الفنان كواحد من أكثر الأصوات المغاربية ابتكاراً. بقدر ما يعود للحفر في التراث الموسيقي وإيقاعات الموسيقى الشعبية، ينحت لها أشكالاً جديدة عبر مزجها بإيقاعات معاصرة وآلات كالبيانو والغيتار وإيقاعات الروك. المغني لا يكتفي بالعمل على الإيقاع وإنما يعيد غناء قصائد تراثية مغاربية، تظل لها راهنيتها في واقع عربي معاصر مضطرب. كلمات الألبوم تغني المحبة والتحرر والأخوة الإنسانية. يصرّ سحماوي على هذه الأخوة التي تعبر المجالات الترابية، من أفريقيا جنوب الصحراء التي ينتمي جزء من موسيقيي المجموعة إليها، إلى المغرب وفرنسا مروراً بالجزائر وتونس وموريتانيا. ربما هذا ما دفع الفنان إلى التصريح قبل أشهر قليلة في الجزائر، التي أحيا فيها حفلاً، بأنه يطلب الجنسية الجزائرية. تصريح أثار جدالاً، لكنه اعتبره إشارة إلى نبذه لكل أشكال الانغلاق ولتأكيد الأخوة المغربية الجزائرية، أكثر منه طلباً سياسياً. هذه الأخوة الإنسانية العابرة للحدود يعلنها الألبوم صراحة عبر العديد من الأغاني كـ «تل باثنين» التي تحكي قصة شجرة خوخ يتنازع عليها جيران، بدل أن يأكلوا ثمرها جميعاً.
كلمات الألبوم تغني المحبة والتحرر والأخوة الإنسانية


انشغال الفنان بالقضايا الإنسانية والمهمشين تحضر دوماً في أعماله. لكنها أعمال تنتظر الربيع المبتسم كما في أغنية «ياسمين». يتكون الألبوم من 12 عنواناً، تجعل الأغنية «قرية صغيرة» تتلاقح فيها إيقاعات العالم. وهي استمرارية لمسار موسيقي طويل بدأه سحماوي مع مجموعة «أوركسترا باريس الوطنية» المغامرة التي انطلقت عام 1995 ومثلت واحدة من أبرز التجارب الموسيقية في فرنسا، وأبرزت جزءاً من غنى ثقافات الهجرة موسيقياً، إذ عمدت إلى مزج الموسيقى المغاربية مع الروك والفانك. تجربة انتهى منها الفنان عام 2002، قبل أن يعود عبر مشروع آخر هذه المرة في 2005 إلى جانب The Zawinul Syndicate. وهي المجموعة التي أسسها مع عازف البيانو النمساوي جوزيف زاوينول الذي عمل إلى جانب كبار موسيقيي الجاز والبلوز مثل مايلز ديفيس. وكانت هذه المجموعة انطلقت منذ الثمانينيات من القرن الماضي، لكن التجربة ستنتهي مع وفاة زاوينول عام 2007.
الفنان النمساوي أثّر في مسار سحماوي، كما يسرّ في أكثر من مناسبة وكان مدرسة بالنسبة إليه. لكن بعد رحيله، قرر عزيز سحماوي فتح مدرسته الخاصةـ وهذه المرة، أنشأ فرقةuniversity of Gnawa. التجربة فريدة تجمع الروك والجاز والموسيقى الأمازيغية وموسيقى الملحون والإيقاعات الإسبانية ودفء الصوت الأفريقي وآلات الدجامبي والكنبري والبيانو أحياناً في الأغنية نفسها. وهي آلات وإيقاعات لا تبدو للوهلة الأولى قادرة على التمازج.
لكن «جامعة كناوة» تنتقل بين هذه الإيقاعات والآلات بخطوة واثقة، بقيادة الفنان المراكشي. سحماوي يحمل في عروقه عشق الموسيقى الكناوية منذ الطفولة. موسيقى جاء بها «العبيد» إلى الأراضي المغربية، وكانت طريقهم للتحرر من ظلم المجتمع لهم، وشهدها هو منذ طفولته خلال جلسات الزوايا الصوفية في المدينة الحمراء. ورغم أن سنوات الطفولة صارت خلفه الآن، إلا أنّ أجواءها لا تزال حاضرة عبر موسيقى «لا تزال» تحمل العشق نفسه.