«الدنيا برّا مجنونة»، لعلّ كلمات أغنية وائل كفوري تلخّص «الكارثة» الطبيعية التي تضرب لبنان. فيما كانت العاصفة الآتية من روسيا تواصل جنونها في الخارج، حوّل الناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي حيطانهم الافتراضية إلى وكالة للأنباء العاجلة ومعارض صور تجسّد مرارة العيش في بلد مثل لبنان.
منذ أول من أمس، تحوّلت مواقع التواصل الاجتماعي مصدراً أساسياً للمعلومات حول الأحوال الجوية مدعّمة بشواهد بصرية تغطي الأراضي اللبنانية كافة: هذا يصوّر مخلّفات الليلة العاصفة بالقرب من منزله صباحاً، وذاك يلتقط صوراً للأشجار المحطّمة وهو في طريقه إلى عمله، فيما تعيد تلك المرأة نشر صورة أخذها صديقها من منطقة حي السلم حيث غرقت المنازل والمحال والسيارات بالمياه وانقطعت كل سبل التنقّل.
مجموعات فايسبوكية إخبارية كثيرة طبّقت مبدأ «صحافة المواطن» في الساعات الأخيرة، معتمدة على صور المواطنين المنتشرين في أرجاء البلد، إضافة إلى لجوء بعضها إلى مراسليها، فكانت صورة منطقة الأشرفية يغطيها البرَد صباح أمس، وبحر صيدا الذي احتضن الجزء الأكبر من جبل النفايات، فضلاً عن موج المنارة الذي تجاوز ارتفاعه أربعة أمتار وطرقات حاصبيا التي اختفت تحت كثافة الثلوج.
العاصفة ولّدت شكلاً من المنافسة بين هذه المجموعات. Lebanon Weather Forecast تصرّفت كوكالة أنباء خالقة شبكة مراسلين تعوّل على المواطنين بشكل كامل في استقاء معلوماتها وصورها، إضافة إلى صفحة صحيفة Slab News الإلكترونية التي أطلقها الصحافي غسّان جواد الشهر الماضي (الأخبار 19/11/2012) وصفحة Saida Tv الذي حصر غالبية أخباره المقرونة بالصور في مدينة صيدا وجوارها، من دون أن ننسى صفحة Sada Lebanon التي كان لها حضور لافت.
لم يقتصر أداء الأفراد والمجموعات على تزويد روّاد فايسبوك وتويتر بالمعلومات، بل وصلت إلى حدود المساعدة في تجنّب الكوارث؛ مثلاً هناك من نشر صورة لأحد الأشخاص العالقين في إحدى المناطق، طالباً مساعدته، وسرعان ما انتشرت على حسابات وصفحات مختلفة.
وأخيراً جاءت «موهبة» اللبنانيين في استغلال المصائب لإطلاق النكات. تجلى ذلك في صور حقيقية ذيّلت بتعليقات ساخرة، وأخرى مركّبة حملت الكثير من خفة الظل والنقد اللاذع، بدءاً بصورة لسيارة من نوع «مرسيدس» مغمورة بالمياه كتب تحتها: «المعنى الحقيقي للمرسيدس الغوّاصة»، مروراً بصورة لمبانٍ تبدو كأنها داخل أكواريوم مقرونة بتعليق: «بيروت بعد العاصفة»، وصولاً إلى صورة لرجل شرطة يستقل «جيت سكي» في عاصمة الجنوب، وأخرى لثلاثة رجال يرتدون بزّات غطس كتب فوقها «أنا والشباب ببيروت من شوي». صور الإعلانات لم تغب عن المشهد. سارعت إحدى شركات البيرة المحلية إلى نشر صورة تصوّر زجاجتين تنتعلان زعانف غطس كتب عليها عبارة «صار لازمك دفتر سواقة... ودفتر سباحة».
وقبل نهاية النهار بقليل، تنبّه روّاد الشبكة إلى موت علي أحد أشهر شخصيات منطقة الحمرا. هو رجل بسيط بلا مأوى، لم يفارق الشارع يوماً. قليل الكلام ذو لحية بيضاء غدره صقيع المدينة التي لم تستطع إنقاذه. هكذا، حملت حسابات رواد الفايسبوك صور علي مرفقة بجمل تنعيه وتودّعه. وسط هذا الموت الذي يحدّق بالمهمّشين والمنسيين، لم تغب خيم النازحين السوريين عن بال «الفايسبوكيين» الذين تداولوا صوراً للمياه التي ابتلعتها.