بخطوات ثقيلة، وبطيئة، تدخل كارول عبود إلى المسرح مرتدية ثوب نوم أبيض. مجموعة من الجدران والأبواب تمتد إلى السواد. تنفتح كواليس المسرح مولّدة ممرات، وزواريب أخرى. على الخشبة، توزعت كميات من الثياب يتضح في ما بعد أنّها جثث خلّفتها مجزرة، إضافة إلى كرسي وحجرة فوقها أخرى. إنها شاتيلا عام ١٩٨٢. هكذا، تدخل كارول عبود إلى ذاك الفضاء، تجول بين الجثث، تقترب من إحداها، ترفع معطفاً طويلاً ببطء، وترتديه. يبقى على جسدها طوال العرض.
عن نص جان جينيه (1910ـــ 1986) الشهير «أربع ساعات في شاتيلا»، تقدم عبود عرضاً يحمل العنوان ذاته على خشبة «مسرح مونو» تحت إدارة إخراج المخرج الفرنسي ستيفان أوليفيه بيسون. القصة بدأت بعد غياب عشر سنين عن مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في الأردن ولبنان، حيث عاش «الكاتب المارق» ستة أشهر مع الفدائيين، ثم عاد برفقة ليلى شهيد إلى مخيم شاتيلا في ١٩ أيلول (سبتمبر) ١٩٨٢. كان أول أوروبي يدخل فضاء المجزرة ويعاين فظاعتها مدوّناً «لا تلتقط الصورة الفوتوغرافية الذباب ولا الرائحة البيضاء والسميكة للموت، كما لا تخبر عن الوثبات التي عليك إجرائها لتعبر من جثة إلى أخرى». أما ليلى شهيد، فتقول عن صاحب «الخادمتان»: «كان جان في المنزل وقد أحرقته أشعة الشمس كلياً. كان في حالة ذهول. كنت متأكدة من أنّه سوف يموت خلال تلك الليلة. سجن نفسه لمدة يومين. كنت مقتنعة بأن هول ما رآه لن يدعه يبقى على قيد الحياة. كانت هناك مشاهد لا تصدق لنساء تلقين ذراع طفل، فرحن يبحثن بإصرار عن الأجزاء الباقية من الأجساد لدفنها معاً(..). أصرّ جان على العودة إلى باريس. بقيتُ حينها لمدة شهر في بيروت بعد مغادرة جان. وعند وصولي إلى باريس، قصدته لأراه. سلمني ذاك النص الذي كان قد طبعه وعنونه بـ«أربع ساعات في شاتيلا»».
في عام ١٩٨٢، أثّرت صورتان في المخرج الفرنسي ستيفان أوليفيه بيسّون. كان عمره لا يتعدى الثالثة عشرة. سحرته الصورة الأولى، وهي مشهد الفدائيين خارجين من بيروت في آب (أغسطس) من تلك السنة. شعر كأنّه انتصار روماني. والصورة الثانية وصلت بعد أسابيع عدة لدمية مجردة من ذراعيها، لكنها ضاعت، ليعود المخرج الفرنسي بعد ثلاثين عاماً للبحث عنها، متسائلاً إن كانت تلك الصورة قد وجدت يوماً، وإن كانت تلك دمية أم جثة طفلة. إنها ليست المرة الأولى التي يزور فيها المخرج بيروت. سبق أن زار مخيم شاتيلا عام ١٩٩٨ مع الممثلة الفرنسية إفلين إيتسريا، وقدم النص ذاته معها على خشبة «مسرح بيروت». لكن النص ما زال يأسره. بعد ١٥ سنة، يعود إلى بيروت ليعيد تقديم العرض، ولكن هذه المرة اختار أن يعمل مع الممثلة اللبنانية كارول عبود التي عاشت زمن المجزرة.



«أربع ساعات في شاتيلا»: 8:30 مساء اليوم حتى ٢٧ ك2 (يناير) ـــ «مسرح مونو» (الاشرفية ـــ بيروت) ـ للاستعلام: 01/202422