القاهرة | فقدان مصر مقعد نقيب الصحافيين العرب للمرة الأولى ليس وحده الخبر، إذ لا يكتمل الأخير من دون تأمل المركز الذي حلّ فيه نقيب الصحافيين المصريين في انتخابات «اتحاد الصحافيين العرب». من بين 20 مرشحاً للمكتب التنفيذي، جاء النقيب المصري ممدوح الولي في المركز ما قبل الأخير. وعلى الرغم من أن مقعد النقيب قد ذهب إلى الكويتي أحمد بهباني، (رئيس جمعية الصحافيين الكويتين) برصيد أصوات بلغ 68 صوتاً، إلا أنّ أعلى الأصوات (73 صوتاً) قد ذهبت إلى مصري آخر هو حاتم زكريا، وإلى كل من تلك الأرقام دلالته. على غرار الهيئات والمؤسسات العربية والأفريقية التي يقع مقرها في القاهرة، جرت العادة على أن يكون الرئيس أو الأمين العام ــ أو كلاهما ـــ من بلد المقر، وكذلك الأمر بالنسبة إلى «اتحاد الصحافيين العرب» عند تأسيسه عام 1964، فكان الصحافي المصري حسين فهمي أول رئيس له، ومواطنه صبري أبو المجد الأمين العام.
باستثناء فترة المقاطعة العربية للقاهرة إثر اتفاقية السلام، حافظت مصر على رئاسة «اتحاد الصحافيين العرب»، لكن الثورات العربية غيّرت ــ في ما غيّرت ــ رئاسة الاتحاد، فذهبت إلى الكويت في الانتخابات التي جرت قبل أيام، إلّا أن الثورات كانت وسيلة غير مباشرة لذلك التغيير. أما الوسيلة المباشرة، فكانت إصرار «الإخوان المسلمين» على خوض كلّ وأيّ انتخابات.
لا يمكن الجزم بعضوية رسمية للنقيب المصري في جماعة الإخوان، لكن ما هو معروف أنّه كان المرشح المدعوم من الجماعة لانتخابات النقابة المصرية، في مواجهة مرشح «تيار الاستقلال» يحيى قلاش. فاز ممدوح الوليّ مدعوماً من الجماعة التي صارت حاكمة، ومن «الأهرام» حيث عيّنه الإخوان رئيساً لمجلس إدارتها، لكنّه جاء على رأس مجلس نقابي يهيمن عليه اليسار والقوميون، ما وضعه في مواجهة مستمرة معهم، بدا أبرزها عند الاجتماع الطارئ الذي عقده الصحافيون لمواجهة الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس محمد مرسي، فوقف يومها النقيب مهدداً: «الناصريون واليساريون لن يديروا نقابة الصحافيين»، ثم خالف النقيب قرار النقابة بالانسحاب من لجنة وضع الدستور، وحضر جلسة التصويت بحجة «الدفاع عن حقوق الصحافيين»، لكنه عاد بخفي حنين، ما زاد من حرج موقفه.
هكذا صمم الولي على خوض انتخابات «اتحاد الصحافيين العرب» بديلاً للنقيب السابق إبراهيم نافع، الذي شغل رئاسة الاتحاد من ١٩٩٦ حتى ٢٠١٣ رغم أنّه لم يعد نقيباً للصحافيين المصريين، وكان ينوي الترشح مجدداً، لكن فجأة تحركت تحقيقات مالية رسمية ضد نافع، لم تؤدّ إلى شيء سوى تراجعه عن الترشح، ما دفع البعض إلى الاسترابة في تلك «المصادفة». وإذ خلت الساحة للولي ـــ وخصوصاً بعد ابتعاد الأمين العام المخضرم مكرم محمد أحمد ـــ فقد قدّم أوراق ترشحه، ليحلّ في المركز ما قبل الأخير، ويفشل في مجرد دخول المكتب التنفيذي العربي، الذي نجح في دخوله مصريان: حاتم زكريا الذي احتل منصب الأمين العام، وكارم محمود (عضو «تيار الاستقلال» في النقابة المصرية) ليشغل منصب أمين مالية الصحافيين العرب. فوز المصريَين بأعلى الأصوات، وخسارة النقيب الإخواني، يعنيان كذلك أنّ التخوف العربي ــــ وخصوصاً الخليجي ــ من صعود الإخوان المسلمين، قد يفقد مصر مقاعد رئاسة الهيئات العربية الواحد تلو الآخر.