يقدِّم زياد الرحباني وفرقته أربع أمسيات متتالية، بدءاً من الاثنين المقبل في نادي Blue Note (راس بيروت ـــ شارع المكحول). في نهاية العام المنصرم، وبعد غياب أقلق جمهوره، قدَّم سبع حفلات. ثلاثٌ منها في Event Hill (ضبية) وأربعٌ في «قصر الأونيسكو» (بيروت). سؤال أوَّل: هل شاهدْت أياً من هذه الحفلات؟ جواب أوَّل: كلا، لكنّي سمعت بالـ«مشكل» الذي وقع بين زياد وجمهوره. جواب ثانٍ: نعم، وقد قرأت خبراً عن سوء تفاهم بين زياد والجمهور (على الإنترنت، في الصحف...). جواب ثالث: نعم. وكنت محظوظاً إذ صدف أن حضرت الليلة التي حصل فيها التصادم ورأيته Live. جواب رابع: كلا (أو نعم)، ولديّ معلومات شبه مؤكّدة عن الإشكال.
سؤال ثانٍ: موسيقياً، ماذا قدَّم زياد؟ (بالعامية) جواب أوَّل: نِكت وقفشات... شو مهضوم هالزلمي! جواب ثانٍ: إشيا جاز وهيك، صراحة ما حبَّيت. جواب ثالث: «كيفك إنت» وإشيا غربية، يعني يا ريت كان في إشيا أكتر. جواب رابع: «كيفك إنت» وشغلات تانية لإلو وجاز.
هذا ردّ فعل الشارع. ماذا عن الإعلام؟ التقليدي منه كما الميديا الجديدة (ومواقع التواصل الاجتماعي باتت جزءاً منه)، لم ينتبها كثيراً للموسيقى والجمال أو حتى الفكاهة والترفيه... ما لفت الصحافة ومواقع الإنترنت في «عودة زياد الرحباني» هو بضع دقائق من مشهد مقيت أي التصادم بين زياد واثنين أو ثلاثة من «محبّي» الموسيقى لأسباب باتت معروفة. أما الحدث الفني، فتناوله الجميع بشكل هامشي، ونحن من بينهم، لكن لسبب آخر: إحباطٌ سببه الشعور بعدم الاهتمام العام بمواضيع مماثلة!
ماذا ينفع إن قلنا إنّ بضع اللحظات الموسيقية جاءت ممتازة، وبعض المقطوعات التي استعادها زياد من الريبرتوار الغربي جاءت أفضل من النسخ الأصلية تنفيذاً وأداءً؟! من يهتم إن دخلنا في شروحات عن البرنامج وتركيبة الفرقة والإعداد وبراعة زياد أو آفو توتنجيان في الارتجال وجمال صوت منال سمعان وطاقات صوت ناتالي أبو صافي وميِّزات رقة خامة صوت تينا يمّوت وإحساس نعيمة (غناء) وخالد عمران (باص) وغيرها؟! أما الكلام السلبي، فلماذا نقوله إن كان سيُنظر إليه من زاوية ظالمة؟ كأن نشير إلى الأخطاء التي يمكن أو لا يمكن تفاديها. ماذا سيهُمّ كثيرين من النقد السلبي إلا سلبيّته؟! ألن يؤدّي الإعجاب والمديح إلى الاتهام بالـ«الحب الأعمى» أو «غياب الموضوعيّة»؟!
نحن قومٌ يعشق المشاكل. يفضِّل الخلافات على الفن. يهتم للفضائح أكثر من الموسيقى. نحن نميل إلى تداول الأخبار التافهة، لا إلى النقاش في مسائل مفيدة. أواسط الثمانينيات وصف زياد الرحباني الشعب اللبناني، أو الـ Lebanese People في برنامجه الإذاعي «العقل زينة». بعد مرور أكثر من ربع قرن، لم يعد يصلح هذا الوصف لأن آفاتنا تضاعفت منذ ذلك الحين. نحن نحتاج إلى إعادة توصيف كل عشر سنوات على أبعد تقدير. لا يزال ذاك الاسكتش صالحاً، لكنه بات ناقصاً. تخطينا حتى «بخصوص الكرامة والشعب العنيد» و«لولا فسحة الأمل». تجاوزنا ما جاء في هاتيْن التحفتيْن المسرحيتيْن. تخلُّفنا عن واقعٍ اعتُبِر وقتها سريالياً. نحن اليوم في مرحلة انحطاط ما بعد سريالية.
لكن رغم الـ«... وقمح»، «إيه، في أمل»، بعد غدٍ، يعود زياد إلى نشاطه الموسيقي، في إطار مختلف. البرنامج مشابه في الشكل، لكن تم تعديل مضمونه. هكذا، يقدم زياد من أعماله التي لم يدرجها في الحفلات الأخيرة («مقدّمة 83»، «ما تفل»، «إذا بعد في مجال»...)، بالإضافة إلى كلاسيكيات الفانك والجاز والبوسا نوفا والبوب، سمعنا بعضها في ضبية و«الأونيسكو»، والبعض الآخر جديد. أما الفرقة، فمختصرة بشكل طفيف، علماً بأنها تناسب معظم العناوين المختارة. اسمها Orthoïzoks وتتألف من رائد الخازن (غيتار)، جان مدني (باص)، سمير الخوري (تينور ساكس)، نزار عمران (ترومبت)، إيهاب قطيش (ترومبون) ووسام صوايا (درامز). كما يتناوب على الغناء كلٌ من تينا يموت، ناتالي أبو صافي وإليسّا.
أخيراً، إلى زياد الرحباني، هذا اقتراح حلّ من اثنين: أولاً، تنظيم «صدامات» يطرأ عليها بعض الفن، يتم الاعتذار عنه لاحقاً، وثانياً، اليوم اليوم وليس غداً أبواب الهجرة إلى ألمانيا فلتقرع!



حفلات زياد الرحباني: بدءاً من الاثنين المقبل ــ نادي Blue Note (راس بيروت ـــ شارع المكحول) ــ للاستعلام: 01/743857