تتوزع في فضاء «مركز بيروت للفنّ» خمس منسقّات فنيات: رشا سلطي، أماندا أبي خليل (لبنان)، كايلا ماكدونالد (بريطانيا)، نات مولر، إيلين فان در فليست (هولندا). كلّ واحدة منهن موجودة في زواية من زوايا الصالة لاستقبال الجمهور، وتقديم أحد «أعمال رائد ياسين المستحيلة». فكرة العرض الأدائي كانت تساور الفنان الشاب (1979) منذ سنوات دراسته الجامعية في بيروت. فقد عاش في مدينة ليست من بين العواصم الثقافية في العالم، ولا تعجّ بالمعارض والمواعيد المميزة على مدار السنة، ولا توجد فيها متاحف فنية كبيرة. هكذا، اضطر إلى التعرف إلى الأعمال الفنية العالمية من خلال الكتالوغات والكتب والمقالات المكتوبة عنها.

من خلال القراءة ومشاهدة الصور، كان يحاول تخيّلها، وكان الخيال يجعلها جميلة أكثر من الواقع. وعندما سنحت له فرصة أن يشاهد بعينيه عن قرب بعض الأعمال التي كان قد قرأ عنها، كان يشعر بخيبة أمل في معظم الأحيان، إذْ إنها لم تكن في مستوى الجمال التي تخيله.
انطلاقاً من ذلك الإيمان بأن وصف الأعمال الفنية مع انعدام فرصة رؤيتها، يحظى بجمالية يختلقها خيال المستمع، وتفوق حقيقة ما تراه العين، فقد قرر تقديم وصف لمشاريعه من دون تنفيذها.
إلى جانب هذه الفكرة الغريبة، اختار ياسين مشاريع يستحيل تنفيذها أيضاً، إذْ تعمّد أن لا تشكل الحواجز اللوجيستية حدوداً للخيال فيها، كما أنّها مشاريع لا تستعين بالمادة لكي تترجم وتتجسد، بل تبقى عند مستوى الكلام والسرد. ولهذه الغاية، تواصل مع منسقات معارض لتنفيذ المشروع الذي كان يراوده منذ سنتين. في الآونة الأخيرة، تتطور موقع المنسّقين الفنيّين، وتوطدت علاقتهم بالفنانين المعاصرين، خصوصاً في العالم العربي.
استثمر رائد ياسين هذه العلاقة، ولكنه أراد أن يعيد خلط تلك الأوراق. لذلك، توجه بنداء إلى عدد من المنسّقين الذين تربطه بهم علاقة، أو سبق أن تعرف إليهم، وطلب منهم المشاركة في عمله. يسجل رائد في حوار سريع مع «الأخبار»، مفاجأته من أنّ العدد الأكبر من المنسّقين والمنسقات الفنيين العرب لم يتجاوبوا مع طرحه، فاضطر إلى العمل مع منسّقات أجنبيات إلى جانب العربيات في النسخة المقدمة حالياً في بيروت، علماً أنّ للمشروع تكملة تهدف إلى تقديمه في مدن عديدة حول العالم مع منسّقين فنيين مختلفين في كل منطقة.
هكذا تواصل الفنان الشاب لمدة أشهر مع كل طرف على حدة، وكان التنوع هو الغاية من طرح الفكرة الأساسية لكل مشروع يقدمه ياسين أو يطلبه من المنسّقة التي تعمل معه. تجري مناقشة الفكرة الفنية بين الإثنين، تتطور، لتصبح مشروعاً مستحيلاً، لا مادة حسيّة له، ولكنه جاهز للوصف.
بذلك تكون كل منسّقة شاركت الفنان مرحلة الخلق الفنيّة، فيما قام ياسين بتنظيم العرض، وتنسيقه، وتركيبه. الطرفان: الفنان والقيّم الفنيّ، دخل كل منهما في وعي في الآخر، ليتبادلا الأدوار ويتوصلا إلى التصور النهائي.
أما خلال العرض، فالمنسقات يتابعن مرحلة الخلق، حيث تقوم كل واحدة منهن بسرد المشروع للجمهور. سرد سوف يُعاد تقديمه من الساعة السادسة حتى التاسعة مساء بعد غد الجمعة، مثلما يحدث في افتتاح أي معرض تقليدي، حيث يجول الجمهور على المعرض لتفقد الأعمال، أما هنا فستكون الأعمال مرويَّة للجمهور بدلاً من مشاهدتها.
الإعادة ـــ وبما أن السرد لا يستند إلى نص مكتوب ــ تفتح باب الاحتمالات على تغيير تفاصيل في المشروع في كل مرة، بحسب ذاكرة المنسّقة الفنية الساردة للمشروع!
فكرة فريدة ومبتكرة يخرج بها الفنان الشامل الذي جمع بين المسرح والرقص والشعر والفيديو والتجهيز، وتطرق في مشاريعه السابقة إلى ثيمات ترتبط بالميديا، والمدينة، وتاريخ الفن المعاصر، والسينما العربية، والبورنوغرافيا، وثقافة الـ «بوب»...



«أعمال رائد ياسين المستحيلة»: من السادسة حتى التاسعة من مساء الجمعة 25 ك2 (يناير) ـــ «مركز بيروت للفن» (جسر الواطي ـ بيروت) ـــ للاستعلام: 01/397018