في تركيا التي جعلتها موضة آخر زمن، نموذجاً للأنظمة العربية الطالعة مما يعرف تجاوزاً بـ «الربيع العربي»، وصلت «محاكم التفتيش» إلى أمين معلوف (1949). لقد وقع الأديب اللبناني من حيث لا يدري، في فخّ «الهويات القاتلة» التي جيّشتها أزمنة الردّة والانحطاط، هو الذي تناول في العام 1998 عوارض التشنّج وأزمات الهويّة والانتماءات الدينية في منطقتنا. إذ فتحت السلطات التربوية في تركيا تحقيقاً حول ما إذا كانت روايته «سمرقند» تعتبر «مهينة للإسلام». وذكرت صحيفة «حرييت» التركية، أمس، أنّ «والدين رفعا شكوى أمام «مديرية التعليم الوطني» ضد مدرّس التاريخ في إحدى ثانويات اسطنبول، بعدما أوصى طلابه بقراءة رواية معلوف». ونقلت الصحيفة عن رئيس الفرع الأول لـ«اتحاد موظفي التربية والعلوم» في إسطنبول قوله إنّ مقدمي نص الاعتراض ليسا والدين لطالب في المدرسة التي يعلّم فيها المدرّس، كما أنّهما كتبا في الشكوى أن كتاب معلوف «مهين للثقافة الشرقية والإسلام، ويتضمن مقاطع سوقية».
وأضاف إنّ «المديرية فتحت على الفور تحقيقاً في الموضوع، وهي متحمسة لوضع الشكوى قيد التنفيذ»، إلا أنه أكد في الوقت عينه أنّ الاتحاد «قد يرفع دعوى جنائية ضد مديرية التربية والوالدين بتهمة الافتراء وتشويه السمعة».
وتدور معظم أحداث رواية معلوف التي صدرت باللغة الفرنسية في عام 1988 في مدينة سمرقند في أوزبكستان في القرن الحادي عشر، وتتمحور حول سيرة الشاعر والفيلسوف الفارسي عمر الخيّام (1048 ـــ 1131) الذي اشتهر برباعياته، وأشرف بصفته عالم رياضيات وفلكياً على مرصد أفلاك في سمرقند، وفي نيسابور الإيرانية، كما اشتهر بتقويمه السنوي الدقيق الذي أُطلقت عليه تسمية «تقويم الخيام».
ويمزج عمل معلوف بين الجانب السردي الروائي، والبحث التاريخي الدقيق في تفاصيل حياة الخيام، إضافة إلى ملابسات كتابته لرباعياته.
ولعل أمين معلوف الذي دخل «الأكاديمية الفرنسية» في العام الماضي، ما كان يتوقّع أن يصدر موقف مماثل من تركيا «عرّابة» الربيع العربي، الذي أبدى معلوف نفسه تفاؤله به.
وتأتي هذه الحادثة لتضاف إلى وقائع أخرى تشهدها تركيا في الآونة الأخيرة، أولاها الحملة التي شنّها رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان شخصياً على مسلسل «حريم السلطان» (الأخبار 11/ 12/ 2012). ودعا إلى وقف عرضه بعد عتب وجّهه إليه الرئيس المصري محمد مرسي.
وكان الرئيس المصري الذي حملته الثورة إلى قصر العروبة، وجد أنّ المسلسل يصوّر بطريقة «غير لائقة» السلاطين العثمانيّين لناحية ملبس الحريم، والخمور، مضيفاً إنّ التاريخ العثماني «جزء من تاريخ الأمة الإسلامية الذي يعتزّ به المسلمون
جميعاً»!
(الأخبار)