«ما تشِك بحالك». هذه دعوة مبالغ فيها للثقة، اختارتها «وزارة الداخلية والبلديّات» لمخاطبة المدمنين على المخدرات في سياق حملة توعية انتشرت على لافتات في شوارع بيروت. إعلان على طريقة المجتمع المدني اللبناني «المخملي». جملة كهذه قد لا تؤدي إلى التأويل المطلوب فحسب، بل قد تقود إلى اتجاه معاكس. إنه «مخملي» جداً، ووفقاً للمنطق اللبناني السائد، قد تستدعي الجملة المذكورة لازمة بديهيّة: «شِك بغيرك»، «شِك» في مكان آخر، الآخرون هم الجحيم. أليس هذا تشجيعاً على «الشك» وعلى المخدرات بدلاً من أن يكون تحذيراً؟
إذاً، يحاول الإعلان مخاطبة «الأنا» في المدمن ورفعها إلى مستوى الوعي. وهذا مديح فضفاض للإعلان الخفيف بلا شك. ليس واضحاً ما إذا باتت هذه الخفة معتادة. أخيراً، بإمكان المتابع أن يلحظ بسهولة عجز (معظم) جمعيّات «المجتمع المدني» اللبناني عن مخاطبة الفئات التي تستهدفها حملاتها «التوعويّة» بلغةٍ على مقاسها. الشارع على ضفة واللافتات على ضفة، وبينهما يجري نهرُ التوعية هذا كأنه فجوة جارفة تتسع. وقد يكون «الإبداع» المتمثل في الحملة الأخيرة استخفافاً مقصوداً، أنجز بجهد قليل لم يحذر صاحبه الوقوع في مطبّ الـ«كليشيه»، ففضّل أن يركن إلى اللغة الـ«غينسبوريّة» نسبة إلى الفنان الفرنسي سيرج غينسبور، أو «الرحبانيّة» نسبة إلى الفنان اللبناني زياد الرحباني الذي يتميّز هو الآخر بهذه الصفة: «اللعب على الكلمات». لكنه في حالة الفنانَين، لعب بوقعٍ خفيف على السمع وأثره عبثي المغزى، فلا يستجدي موقفاً من الفكرة ذاتها أكثر من كونه فرحاً مجانياً. ونحن نتحدث هنا عن إعلان رسمي، مذيّل بتوقيع وزارة الداخليّة والبلديّات، لا عن «اسكتش» في «العقل زينة» أو عن أغنية مرحة على غرار Harley David Son of a Bitch. نتحدث عن إعلان سمج ضدّ المخدرات في مجتمع اعتاد اللعب بالكلمات، والأفكار حتى يئس من تجديدها فاجترّها، ثم تأتي وزارة رسميّة لتكريس هذه القواعد في إعلان منفر، كلّف بلا شك مبلغاً كان يمكن صرفه في مساعدة المدمنين. وللمناسبة، لا مكان رسميّاً واحداً يلجأ إليه هؤلاء للتحرر من إدمانهم.
لقد جاء هذا الإعلان ليؤكد فداحة الهوة بين «الدولة» بصورتها «الأبويّة» من جهة، والمواطنين/ الضحايا من جهة أخرى. قد يضع بعضهم هذا النقد في مصاف «البلبلة»، إذ إنه لا يستند إلى إحصاء دقيق يجيب على مدى تجاوب الفئة التي يخاطبها الإعلان. كلام كهذا معقول في ظاهره، أما في التفاصيل، فلا شيء يمكنه أن يمحو سماجته أو ينفي أنّ الصورة المختارة مستنسخة. الساعد الملوي والإبرة المغروزة فيه على نحو يبعث على الملل، لكن القائمين على الملصق المبدع قد يبرّرون فعلتهم بالقول إنّه يندرج في سياق تراكمي. بالفعل، التوعية فعل تراكمي، وليس من إعلان واحد وظيفته إحداث تغيير فوري، وخصوصاً عندما يكون متعلقاً بآفة متجذرة. غير أن الملاحظة أن هذا التراكم يجب أن يكون إيجابيّاً. وإذا كان التراكم معقّداً، فـ«ما تشك بحالك» معادلة سهلة رياضيّاً: 1 + 1 = 2، أو «ما تشِك بحالك» = «شِك بغيرك». إنه إعلان بمثابة «رفع العتب» هدفه تقريب صورة الدولة إلى «المجتمع المدني»، وهذا تقليد في غير مكانه. إنه أشبه بإعلان الدولة عن يأسها.