والتر ساليس مخرج ممتاز. أعماله السابقة مثل «المحطة المركزية» و«يوميات دراجة نارية» أثبتت أنه قادر على إخراج سينما حيوية تحتفي بالإنسان. في العديد من أعماله، شغف بالرحلة والطرق. شغف دفعه أخيراً إلى نقل رواية جاك كيرواك «على الطريق» إلى الشاشة الكبيرة. لكن لطالما عُدت الرواية عصية على الاقتباس السينمائي مثل «عوليس» لجيمس جويس. الصعوبة هنا لا تكمن في تعقيدات الحبكة الروائية، بل لأنّ «على الطريق» تمثل رمزاً ثقافياً لجيل كامل، وثق فيها كيرواك لمرحلة مهمة، وجعلها رمزاً لجيل «البيت» باحتفائه بشخصياته المهمشة وبصعاليكه الأبديين الخارجين عن المجتمع بقيمهم الخاصة.
تعد «على الطريق» (عرّبتها «دار الجمل» بترجمة سامر أبو هواش عام 2007) أيقونة أدبية كما قصيدة «عواء» لآلن غينسبرغ ورواية «الغداء العاري» لويليام بوروز. استوحى كيرواك الرواية من الرحلات الحقيقية التي أجراها مع رفاقه عبر الولايات المتحدة في الأربعينيات والخمسينيات. بدأ بكتابة الرواية عام 1949 خلال أولى رحلاته، ونشرها بعد تأجيل طويل عام 1957. لقيت الرواية نجاحاً كبيراً وبدأ أثرها يظهر على الشباب الأميركي في ذلك العصر. عبر أجزاء الرواية الخمسة، نتتبع يوميات راوي الأحداث سال بارادايس (سام ريلي/ جاك كيرواك) ودين موريارتي (غاريت هودلاند/ نيل كاسيدي)، وكارلو ماركس (توم ستوريدج/ آلن غينسبرغ) في تنقلهم عبر الولايات المتحدة من نيويورك إلى الساحل الغربي. يحاول والتر ساليس مع كاتب السيناريو خوسيه ريفيرا احتواء روح الرواية الأصلي. نلاحظ جمالية الصورة السينمائية في الفيلم منذ البداية، ويأتي اسناد الأدوار جيداً. إذا أردنا تقييم فيلم ساليس من دون الالتفات إلى الرواية، لوجدنا عملاً سينمائياً مرضياً. لكن النتيجة ستأتي سلبية إذا أخذنا النص الأصلي في الاعتبار. لم يستطع ساليس أن يترجم أجواء النص إلى الصورة. لم نشعر مع الشخصيات ولم نتعاطف معها بما فيه الكفاية. يشهد لساليس أنّه نجح في اختصار الأحداث الكثيرة، لكنه قضى بذلك على روح النص الأصلي التي تعتمد على الإسهاب و«النثر التلقائي». محاولة اقتباس الرواية بدأت عام 1957 من قبل كيرواك نفسه الذي بعث برسالة إلى مارلون براندو يخبره برغبته بأن يلعب دور موريارتي. لم يرد براندو على الرسالة إلى أن أتى كوبولا واشترى حقوق الرواية، وحاول أن يخرج الفيلم دون جدوى، حتى شاهد «يوميات دراجة نارية» فعرض الفيلم على ساليس. خلال تحضيره للفيلم، أخرج ساليس وثائقيين عن الرواية وشغفه بالمشروع. لكنّ «على الطريق» لمن لم يقرأ الرواية، عمل جميل مصنوع بصدق وشغف، لكن ما يعيبه أنه لن يرقى أبداً إلى مستوى النص الأصلي.

«على الطريق»: صالات «غراند سينما»