القاهرة | استقال وزير الثقافة المصري صابر عرب من منصبه أول من أمس احتجاجاً على سحل المواطن حمادة صابر وتعريته خلال «تظاهرات الاتحادية» الجمعة الماضي كما أكّدت مصادر داخل الوزارة ثم أغلق هاتفه ليضمن ليلة هادئة كما قال لمقربين.
وبهذا، أصبح عرب ثالث وزير ثقافة يستقيل من بين خمسة وزراء ثقافة جرى تعيينهم بعد «25 يناير»، فقد سبقه جابر عصفور الذي استقال في أيام مبارك الأخيرة لاسباب صحية حسبما أعلن انذاك، كما سبقه عماد أبو غازي الذي استقال احتجاجاً على ممارسات المجلس العسكري خلال أحداث مجلس الوزراء في تشرين الثاني (نوفمبر) قبل الماضي. أعطت استقالة عرب انطباعاً بأنّ وزراء الثقافة هم الأكثر ادراكاً لمشاعر الناس بحسب سخرية العديد من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي الذين كانوا يطالبون باستقالة وزير الداخلية ثم اعتبروا الاستقالة هرباً من سفينة على وشك الغرق.
في كل الاحوال، بدا أنّ الوزير فاجأ أقرب معاونيه بخبر الاستقالة. ظلّ يمارس مهامه بصورة اعتيادية قبل اعلان القرار بساعات واتخذ قرارات آخرها تمديد فترة «معرض القاهرة للكتاب» عقب لقائه بالناشرين في حفل عشاء دعت اليه «دار الشروق». وحسب تأكيدات سعيد توفيق أمين عام «المجلس الاعلى للثقافة» والرجل الثاني في الوزارة لـ «الأخبار»، فإنّ الاستقالة لم تكن في الحسبان، مضيفاً: «جلسنا قبلها بيوم نخطّط لعمل شهور ونعمل على إعداد مؤتمر تحضيري للمثقفين المصريين بهدف رسم سياسات ثقافية جديدة». وأشار رئيس «هيئة الكتاب» أحمد مجاهد الى أنّه كان يُفترض أن يشارك وزير الثقافة في لقاء عام مع جمهور المعرض اليوم.
رغم تصريحات معاوني عرب، الا أنّ المتابعين للملف يعرفون أنّه كان يعد نفسه لقرار من هذا النوع. الوزير الذي شغل موقع مدير الكتب والوثائق القومية لثماني سنوات في وزارة فاروق حسني احتفظ بصمته خلال الأزمات التي عانت منها الثقافة المصرية طوال العام الماضي واتهم من قبل نشطاء فاعلين في قطاع الثقافة المستقلة بتجاهل مبادراتهم لاعادة هيكلة الوزارة واعلان ميزانياتها بشفافية. لكن نبرته المعارضة لحكم الاخوان تزايدات أخيراً وسعى الى اتخاذ جملة اجراءات تشير الى أنّ شهر العسل مع حكومة هشام قنديل أوشكت على الانتهاء. فقد احتضنت الوزارة اجتماعات اللجنة الوطنية للدفاع عن حرية الابداع التي أصدرت بيانات شديدة اللهجة ضد القوى الاسلامية. كما نشطت الوزارة أخيراً لعقد اجتماعات تحضيرية لمؤتمر كان يجري اعداده للدفاع عن الهوية المصرية التي جرى اختطافها بحسب اعضاء في اللجنة التحضيرية.
وخلال انعقاد «المؤتمر العام لأدباء مصر» في شرم الشيخ قبل اسبوعين فقط، وقف عرب في مواجهة كتاب اسلاميين اعترضوا على كلمة رئيس المؤتمر الروائي صنع الله ابراهيم الذي هاجم الاسلاميين. وقال عرب إنّ الدفاع عن حرية الابداع والتعبير أولوية مطلقة لافتاً الى أهمية الدفاع عن التنوع الفكري لأنّ مصر لن يحكمها تيار واحد كما جاءت تصريحاته مع افتتاح معرض القاهرة لتؤكد أنّه حسم خياراته كمؤرخ بات يعرف أنّ حكم التاريخ على فترة حكم الاخوان لن يكون في صالحهم. أكد بوضوح أنّه لن يسمح بمنع أي كتاب في المعرض، قائلاً: «لن أسمح بمنع كتاب واحد في عهدي، حتى لو قلت لهم: السلام عليكم وتركت منصبي». وقبل شهر، كشف وزير الثقافة المستقيل على صفحته الشخصية على " الفيس بوك " لاول مرة رغبته في الاستقالة وقال أنه فكر في التقدم باستقالته من حكومة هشام قنديل أكثر من مرة احتجاجا على بعض القرارات السياسية، كان آخرها الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس محمد مرسي.
وبعيد عن مبررات الاستقالة التي جرى اختزالها في فكرة الاحتجاج على سحل المواطن حمادة صابر خلال مشاركته في تظاهرات الاتحادية، المؤكد أن ّوزارة الثقافة عانت في عخد عرب من عثرات إدارية كثيرة اذ جرى تقليص ميزانياتها من قبل حكومة قنديل التي لا ترغب في الصدام المباشر مع المثقفين، لكنها تفضّل الابقاء على الوزارة في حالة ركود. كما تم تقليص ميزانيات في قطاعات النشر ومحاصرة مهرجانات ثقافية وفنية كانت ترعاها الوزارة التي واجهت تحديات كثيرة بعد الثورة تتعلق بمدى استجاباتها لمبادارت المثقفين كتلك التي تبناها عادل السيوي وحازم المستكاوي وهي مبادرات لم يتفاعل معها عرب وتجاهلها بحسب ناشطين. كما تجاهل دعم مبادارت أخرى مثل مهرجان «الفن ميدان» المستقلّ.
وحتى الآن، لم تبت حكومة قنديل في استقالة عرب وترددت انباء عن محاولات من الحكومة لتطويق الازمة واستعادة الوزير الذي سبق له واستقال من حكومة الجنزوري ليضمن الحصول على جائزة الدولة التقديرية في حزيران (يونيو) الماضي، وهي استقالة اساءت له أمام الجماعة الثقافية التي تلقت استقالته هذه المرة بمزيد من السخرية والقلق أيضاً على مصير الوزارة التي تسعى قوى اسلامية وسلفية لاختطافها وهي التي كانت قد دفعت بمرشحيها خلال التشكيل الحكومي الأخير وأبرز هؤلاء الناقدان حلمي القاعود وخالد فهمي أحد الفاعلين في جماعة تسمّي نفسها «تيار هوية» تملك تصوّرها المتكامل لسياسة ثقافية بديلة لتلك التي تبناها مسؤولين كانوا أقرب العلمانية وإدارة الوزارة خلال السنوات السابقة ولا شك أنّ نجاح هذا الخيار يعني وضع الثقافة المصرية في مستنقع يصعب النجاة منه، ما لم تلجأ الحكومة إلى بديل آخر باختيار إحدى قيادات الوزارة لتسيير عملها، خصوصاً أنّ حكومة قنديل ذاتها على وشك الرحيل مع قرب الاعلان عن فتح باب الترشيح للانتخابات البرلمانية الجديدة.