برلين هي القِبلة السينمائية في هذا الوقت من السنة. في دورته الثالثة والستين، يعدنا «مهرجان برلين السينمائي الدولي» بنسخة زخمة تسلّط الأضواء على مشاكل العالم. الدورة التي انطلقت في السابع من الشهر الحالي وتستمر حتى الـ 17 منه، تضمّ أكثر من 400 فيلم من بينها أعمال هوليوودية ضخمة، وآخر إنتاجات السينما الأوروبية التي تطرح ثيمات معاصرة وإشكالية أوّلها المثلية في قلب الكنيسة الكاثوليكية أو استغلال أراضي مواطنين طاولتهم الأزمة الاقتصادية العالمية.
عشرة أيام يغلب عليها الطابع السياسي عززه افتتاح صاخب على السجادة الحمراء: أسماء مهمة متوزعة على البرامج، وإن لم تكن بزخم «مهرجان كان». الحضور العربي يتركز خارج المسابقة الرسمية كما كان عليه في الدورة السابقة. لم يسعف السينما العربية ما تشهده بلدانها من أحداث سياسية لتقدم شيئاً جديراً بـ«الدب الذهبي». اختار «البرليناله» هذه السنة التركيز على الأزمات التي تعصف بالعالم سياسياً واقتصادياً. 19 فيلماً تتنافس على دب برلين الذهبي في المسابقة الرسمية مع حضور قوي لأوروبا والولايات المتحدة، وحضور خجول لآسيا. الافتتاح جاء كأنّما ليعزز الجو السياسي للمهرجان. اقتحمت حركة Femen النسوية الأوكرانية السجادة فجأة، وانتشرت متظاهرات عاريات الصدر ومطليات بشعارات منددة بختان الإناث، قبل أن يتدارك رجال الأمن الموقف ويأخذوهن خارجاً.
في المسابقة الرسمية، خلطة من الأسماء اللامعة والشابة. من الأعمال التي تشهد عرضها العالمي الأول فيلم الأميركي غس فان سنت «أرض الميعاد» مع مات دايمون. الشريط يحكي قصة موظف في شركة نفطية يتفاوض على شراء أراضي مواطنين في شمال شرق الولايات المتحدة بهدف إنشاء محطة لاستخراج الغاز عليها. يواصل المخرج الأميركي المسعى النضالي الذي اتخذته أفلامه الأخيرة بدءاً من «ميلك». لكن رويداً، سنلاحظ أنّ الشريط لا يدخل في النواحي البيئية، بقدر ما يقدم مرافعة ضد الأسلوب المكيافيلي الذي تعتمده الشركات والرأسمالية. في السباق إلى «الدب الذهبي» أيضاً، يأتي الأميركي ستيفن سودربيرغ بجديده «آثار جانبية». مع جود لو وكاثرين زيتا جونز، نحن أمام فيلم إثارة وجريمة أسود حول الصناعة الصيدلانية المستخدمة في علاج الأمراض النفسية. أميركي آخر يحضر في السباق هو فريدريك بوند وفيلمه The Necessary Death of Charlie Countryman مع شيا لابوف وايفن راشيل وود ومادز ميكلسون. فرنسياً، تشارك ثلاثة أفلام في «البرليناله» أولها «كاميل كلوديل 1915» لبرونو دومون من بطولة جولييت بينوش. بعد 25 عاماً على تجسيد إيزابيل أدجاني شخصية النحاتة الفرنسية، ها هي ممثلة أخرى تؤدي هذه الشخصية مع مخرج اشتهر بأسلوبه العنيف والمصقول. يركز الشريط على جزء من حياة كاميل عندما قبعت في مصح في جنوب فرنسا عام 1915. المخرجة والممثلة الفرنسية إيمانويل بيركو تقدّم «تمضي» حيث كاترين دونوف امرأة ستينية تواجه الفشل تلو الآخر. وأخيراً، نشاهد «الراهبة» لغيّوم نيكلو الذي يخوض في خيارات فنية جريئة. فتاة تُجبر على دخول الدير حيث تواجه شريعة الغاب وقساوة رئيسة الدير، ستحاول ما تستطيعه لنيل حريتها مجدداً. في أجواء الاكليروس أيضاً، يدور فيلم البولونية مالغوسكا شوموفسكا «باسم الـ...» الذي تجري أحداثه في قرية وتتمحور حول كاهنها المثلي الجذّاب. إحدى مفاجآت المسابقة هي مشاركة المخرج الإيراني جعفر بناهي بفيلمه الجديد «الستارة المغلقة» الذي أخرجه بسرية في حبكة سينمائية تتحدى الحظر المفروض عليه من السلطات الإيرانية.
الحضور العربي خجول كالعادة في المهرجانات الدولية. في التظاهرات الموازية لـ«برلين»، يُعرض شريط الفلسطيني مهدي فليفل الوثائقي «عالم ليس لنا» الذي نال ثلاث جوائز في الدورة الأخيرة من «مهرجان أبو ظبي السينمائي». يحكي الشريط قصة ثلاثة أجيال لعائلة من مخيم عين الحلوة. وتشارك الفلسطينية آن ماري جاسر بجديدها «لما شفتك»، والإمارات في إنتاج «الانتظار» للإيطالي ماريو ريتزي عن مخيم الزعتري للاجئين السوريين، إضافة إلى عرض الوثائقي القديم «خطوة خطوة» للسوري أسامة محمد.
الأصداء النقدية تجاه الأفلام المرتقبة بدأت تتوالى. رئيس لجنة التحكيم هذه الدورة المخرج الصيني وونغ كار واي، يشارك بفيلمه الملحمي The Grand Master خارج المسابقة. استقبل النقّاد بحذر الفيلم الذي يسلط الضوء على الفنون القتالية في الثلاثينيات من خلال رواية معلمها أب مان. فيما لقي الجزء الثالث من ثلاثية «الجنة» الذي يحمل عنوان «الأمل» للنمساوي أولريش سيدل، تفاوتاً في ردود الفعل رجّح كفة الخيبة. عروض مهمة ومتنوعة هذه السنة بثيماتها الجادة، والجميع في انتظار حكم كار واي وزملائه.

http://www.berlinale.de/en/HomePage.html



لجنة التحكيم

يرأس لجنة تحكيم الدورة الـ 63 من «مهرجان برلين» المخرج وونغ كار واي صاحب «في مزاج للحب». ويشارك في عضوية لجنة التحكيم المخرج والممثل الحائز جائزة أوسكار تيم روبنز، والمخرجة الإيرانية شيرين نشأت، واليونانية أثينا رايتشل تسانغاري، والدنماركية سوزان بير، والألماني أندرياس دريسن، والأميركية إلين كوراس.