ارتبطت شعبية الموسيقي السوري محمد فتيان (1984) بعدد حفلاته الكبير. كلما عزف على آلة الناي، عشقه الجمهور أكثر؛ لأنه يعرف كيف يجعل صوت الناي ينهمر شلالاً من المشاعر والأحاسيس. الموسيقي المرهف طاوله مسلسل الاختطاف أول من أمس في حي جوبر الدمشقي؛ إذ كشف بعض أصدقائه الموسيقيين عن اختفائه من خلال صفحاتهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ووجدوا أنّ الحادثة اللئيمة تفتح الباب للتذكير بزميله عازف البيانو جهاد جذبة الذي اختفى منذ شهرين في سوريا، ولم يعرف مصيره حتى اليوم.
ولمحمد فتيان سمعة تسبقه أينما ذهب، يشهد له كبار الموسيقيين السوريين ويشيدون باحترافيته بعدما حضروا حفلات متنوعة أقامها في دمشق. كذلك، يشهد المقربون منه على أخلاقه العالية وتعامله الودود مع كل من حوله. أما قصته مع آلة الناي، فتلك حكاية أخرى تبدو كأنها هاربة من أحد الأعمال الدرامية. بمصادفة عابرة، تغيّرت حياته وأصبح مشروع موسيقي، ليتحول في ما بعد إلى أحد أبرز الوجوه الشابة في الموسيقى السورية.
ابن مدينة حلب عاصمة الطرب السوري، بدأ قصته عندما كان يعبر شارع باب الفرج في مدينته وهو طفل، فسمع صوت الناي الذي عشق نغماته منذ ذلك الوقت، فما كان منه إلا أن هرع إلى صاحب المحل الذي كان يعزف. انتبه الأخير إلى وَلَه الطفل بآلته، وأراد أن يشجّعه على شرائها بأقل من سعرها الحقيقي، وبالفعل اشترى الناي وظل لأيام يحاول من دون جدوى أن يخرج صوتاً منها، حتى ظنّ أنّ صاحب المحل قد غشه وباعه قصبة لا تنفع. لكن بعد عشرة أيام، تمكن من إخراج أول صوت من القصبة التي حيرته. وعندما تنبه والده إلى تعلّق ابنه بالناي، اصطحبه لمحمد قصاص الذي علمه الصولفيج ومبادئ العزف على الناي، وتركه لموهبته التي عرف كيف يطوّرها بنفسه إلى أن حصّل شهادة المعهد العالي للموسيقى، ودرس في معهد صلحي الوادي، وعزف الناي ضمن الفرقة السمفونية، وشارك مع أوركسترا الجاز السورية، وقاد فرقة «شباب سوريا للموسيقى العربية»، وألف موسيقى أعمال تلفزيونية ومسرحية عدة أهمها مسرحية «هجرة أنتيغون» للمخرج جهاد سعد، ثم عزف مع أهم المطربين العرب، على رأسهم الفنان اللبناني وديع الصافي. هكذا لم تشفع لمحمد فتيان مسيرته الغنية والمميزة ومحاولته طرق باب العالمية أمام همجية الفكر المبني على الاختطاف والتصفية. وحتى الآن، لم يعرف مصير العازف السوري، رغم أنّ مجموعة من الناشطين والموسيقيين السوريين أطلقت نداءات التضامن معه عبر صفحات مواقع التواصل الاجتماعي. يستحق محمد فتيان من خاطفيه قليلاً من التعقل، وإن كان من المؤكد أنّ مَن لطّخ جدران عاصمة الحضارات بالحقد، لم يستمع يوماً إلى صوت الناي ولم يمر عليه اسم أشهر عازفيه.