لا يحتاج السوريون إلى من يذكّرهم باللون الأحمر كي يعيشوا بهجة عيد الحب. العرض متواصل منذ نحو سنتين بنجاح ساحق. أينما اتجهت، ستجد الأحمر بكافة تدرجاته اللونية في أضخم غاليري مفتوحة في الهواء الطلق. بلاغة اللحظة تحتمل أن نقول حتى الياسمين بات ملطخاً بالأحمر. انفجار عبوة ناسفة عند سور حديقة مثلاً، كفيل بأن يطرش شجرة ياسمين بدماء الضحايا العابرين، أو أن يتلوّن الكفن الأبيض بنقاط حمر، نظراً إلى دفن أحدهم على عجل، أو أن الكدمة الحمراء الداكنة في جبين من تلقى رصاصة قنّاص، سوف ترسم دائرة فوق الأبيض. دكاكين الهدايا لم تزيّن واجهاتها بالدمى، جرياً على عادتها في مناسبة كهذه.
ساعي بريد الدم أوصل هدايا مجانية للجميع قبل موعدها على هيئة طرود مدموغة بالأحمر. جنازات يغطيها العلم الوطني، وأخرى ملفوفة على عجل بما تبقى من أعضاء، ورسائل عشاق وصلت بعد موت أصحابها بقليل.
العشق السوري يعيش لحظة نيرفانا قصوى. نشوة كليّة في الفناء لا يضاهيها مشهد انتحار البجع الجماعي. المحكومون بالأمل خضعوا لمجاز آخر عن طريق تحويل الأمل إلى ألم. يرتّلون «ألف لام ميم» بخشوع. لن يلجأ العشاق السوريون هذه المرّة إلى معجم نزار قباني لترميم عطب أرواحهم، ربما سيجدون لدى لوركا ما يبتغونه في توصيف أحوالهم. الشاعر الأندلسي القتيل المضرج بدمائه يتجوّل في شوارع دمشق، جحيم الهلاك، وفردوس البرابرة، ونارنج الأسلاف. لا عليك، بإمكانك أن تلتقي من تحب عند حاجز يحتاج عبوره إلى حاجزٍ آخر، ساعتين وربما أكثر بقليل. افترش العراء، وابتعد عن زحام المنكوبين، وردّد وصاياك في العشق. تذكّر عبارة كنت استعرتها من جدّك الشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي أثناء زيارتك الأخيرة لضريحه عند تخوم قاسيون، وتحت مرمى القذائف «أُدين بدين الحب أنى توجهت/ ركائبه فالحب ديني وإيماني»، أو فاستعن بمحمود درويش، وانشد «في دمشق ينام غزال إلى جانب امرأة في سرير الندى، فتخلع فستانها وتغطي به بردى». في هذا المقام، دع رأس المعرّي المقطوع جانباً، والتفت إلى ما تبقى من حواسك كي تتأكد جيداً أنك مسجّل على قيد العشق، ولست مسجّلاً على قوائم المطلوبين.