يقدّم عبد المجيد زراقط في «دروب في الزمن الصعب: قراءات في نماذج من الرواية العربية» دراسةً لروايات عربية معاصرة كحقلٍ لإيجاد ما تزخر به الحالة العربية من أنواع الخيبة والهزيمة. جاءت هذه النماذج الروائيّة المنتمية إلى التسعينيات والعقد الأول من الألفية الثالثة، لتكشف عمّا تكابده شخصياتها من عوائق في محاولاتها للانقلاب على واقعها، مستعينةً بالحلم والوهم تارة، وبالهجرة وكسر المحرمات طوراً.
دراسة زراقط الأكاديميّة تنطلق من النص الروائي لتقصّي محتوياته ودلالاتها من حيث المعايير الجماليّة والأساليب الفنية دون إغفال المونولوجات والأبنية السرديّة المتبعة، وصولاً إلى التراكيب اللغوية وتأثيرها في صياغة السرد. كل هذا انتظم في منهجية واضحة مباشرة تُعتمد في قراءات مماثلة. وقد شرعَ الباحث اللبناني في تفصيل دراسته اعتماداً على خمسة محاور باعتبارها القضية المركزية في الرواية العربية المعاصرة. في أوّل هذه المحاور، صنّف زراقط مستويات ما وصفه بـ«الفقد» محلّلاً 12 روايةَ تُرخي النقاب عن حالات متنوعة من هذا الفقد المتمثّل في الخيبة والتيه كما في «مملكة الغرباء» لالياس خوري و«الخريف يأتي باكراً» لفؤاد مرعي. لكن يستشفّ من هذه الروايات بداية وعي العربي لما يعوق دروب تقدمه كرواية «رأس الحسين» لعبد الله خليفة و«برج الخديعة» لأمل عبد الله.

في المحور الثاني، يورد مجموعةً أخرى من الروايات اللبنانيّة، وخصوصاً النسويّة كـ«حكاية زهرة» لحنان الشيخ، و«جسر الحجر» لليلى عسيران. في هذه القراءات، نتلمّس بداية الفاعليّة المُغيّرة، إذ تتطرق هذه الأعمال إلى تجربة الجنوب المقاوم نموذجاً للعربي المتمرّد على هزيمته وانحطاطه على صعد عدة، بداية من الفقر والجهل وغيرها من الأزمات.
«خطاب الخيبة المهيمن تقنية الخروج إلى المحظور الجنسي» هو العنوان الفرعي الثالث في الدراسة حيث نلحظ انزياحاً جذريّاً في حركة الفاعليّة الثائرة وسببها الإحساس بالعجز والخيبة، إضافة إلى هبائيّة الذات العربيّة العاملة من دون نصر أو تطوير. وفي هذه الحال، يجترح المهزوم انتصارات بديلة لفقده سهلةَ التحقق كالتطرّق إلى المحرّم الجنسي في الأعمال الروائيّة. ويستدلّ زراقط هنا بروايتي «بيضة النعامة» لرؤوف سعد و«مرايا النار» لحيدر حيدر.
ثنائية الهجرة: الوطن – المنفى/ المنفى – الوطن»، تبرزُ تنويعاً آخر للخروج من مأزق الفقد في المحور الرابع. في «صخرة طانيوس» لأمين معلوف، تظهر الإعاقات المتتالية للمشروع النهضوي التنموي العربي. وفي رواية «كانت مدينة ملوّنة»، نرى كيف أنّ انسداد الدروب يؤدي إلى الانفجار والجحيم، والهروب/ الهجرة.
«كيف أخرج من هذا القدر الإنساني الذي لا أستطيع له تغييراً؟» من أبرز الأسئلة التي تطرحها الشخصيات النموذجية المستقاة من ثلاث رواياتٍ لحسن داوود في محور القراءات الأخير. العجوز في «أيّام زائدة» يركن إلى ماضيه مستمدّاً منه قوةً للاستمرار في سعيه المتمرّد ضد أسرته في نهاية عمره، وفاديا نصّار (ماكياج خفيف لهذه الليلة) تؤثر بداية جديدة، وصبحيّة (لعب حي البيّاض) تستسلم لفقدها منسحبة للجمود. ما تشتركُ فيه الشخصيات الثلاث هو اختيارها القبول لمواجهة الوضع الإنساني القاهر كما يشير عبد المجيد زراقط في دراسته.