هل يخرج غداً الدخان الأبيض، ويُنتشل «تلفزيون لبنان» من الدوّامة التي لم يتمكن من الإفلات منها بعد؟ هل تتفق القيادات والزعامات اللبنانيّة على اسم واحد لتولي منصب رئيس مجلس الإدارة؟ وفي حال حصول ذلك، هل يعلن عنه في جلسة مجلس الوزراء غداً؟ الحكاية لم تعد تحتمل أي تأخير، لا لأنّ القناة الرسمية تعيش غيبوبة تامة منذ نحو 12 عاماً فقط، بل لأنّ الوضع ازداد سوءاً في الآونة الأخيرة، وخصوصاً بعدما صار مجلس الإدارة ضيف شرف، لا يزور رئيسه وأعضاؤه المبنى في منطقة تلة الخيّاط في بيروت إلا في المناسبات أو لدى زيارة وزير الإعلام. هكذا، تصبح كلمة «غيبوبة» أفضل توصيف لوضع المحطة، ما يفرض إعلان حالة الطوارئ فوراً لإيجاد حلّ لإعلام رسمي بائس يشبه حال دولتنا الكريمة. وفي ظل المماطلة المستمرة، ثمة من يخشى أن يتمثّل الحل في «تقاسم الجبنة» بين الأطراف السياسية، ليترك التلفزيون لمصيره المجهول.
وإذا كان ثمّة من يقول إنّ سبب المشكلة هو عدم رضى وزراء الإعلام السابقين عن رئيس مجلس الإدارة الحالي إبراهيم الخوري الذي تسبب بدوره بتفاقم الأزمة (مستمر في منصبه منذ حوالى 14 عاماً، علماً بأنّ مدة ولاية الأخير هي سنتان ونصف سنة، يعيّنه مجلس الوزراء)، إلا أنّ وحده اختلاف الزعامات على تقاسم «غنيمة الإعلام الرسمي»، هو ما يؤجّل قرار بثّ الروح في التلفزيون. وبغضّ النظر عن الأسباب، يبقى الثابت أنّ المخصّصات التي كانت المحطة تتكل عليها قد حُجبت بقرار من وزير الإعلام وليد الداعوق. طبعاً، أثّر ذلك سلباً في إنتاج البرامج والمسلسلات، لكنّه أقفل «مزراب الصرف» ما دام القسم الأكبر من هذه المخصصات يذهب لملء جيوب المنتفعين من إداريين وموظفين من «المرضيّ عنهم فوق». هكذا، انعكست المشكلة إنتاجات بتكاليف زهيدة جداً، منها برنامج «هلق دورك» الذي أعدّه وقدّمه ميشال حوراني بميزانية لا تذكر، إضافة إلى مسلسلات متواضعة منها «اسمها لا 2» و«زمن الشوك». بهذه الحالة تترك قروش معدودة للعمل المرئي، فيما يوحى لوزارة الإعلام أنّ المال استغل كاملاً في عملية الإنتاج. لكنّ الحقيقة أنّ مبنى التلفزيون وأثاثه وديكوراته أشبه بقصر قديم مهجور أو بمتحف للآثار، ولم يطرأ عليه أي تغيير منذ أكثر من ست سنوات.
الفساد لا يقف عند هذا الحد، لأنّ الكارثة الكبرى تكمن في ثروة التلفزيون الوحيد؛ الأرشيف. لقد بيع الأخير لأكثر من قناة عربيّة، من بينها «روتانا» وart (راديو وتلفزيون العرب)، فضلاً عن بيع مسلسلات لبنانيّة تعود إلى السبعينيات والثمانينيات لقنوات لبنانيّة كـ«الجديد» مثلاً. الإدارة تعترض على التسمية بحجة أنّ ما يجري ليس عملية بيع، بل لا يعدو كونه «استثماراً فقط». ويحاول المعنيون إقناعك بأنّ المسألة لا تتجاوز حدود العرض لمرة واحدة، متجاهلين أنّ قسماً كبيراً من الأرشيف الذي تم «استثماره» انتقل إلى قنوات أخرى، ولم تعد النسخة الأصلية حكراً على القناة الرسميّة.
وفيما يُنتظر أيضاً إيجاد حل للهدر الكبير الذي يفتك بالإذاعة اللبنانيّة، زار وزير الإعلام وليد الداعوق التلفزيون قبل أيّام وعقد اجتماعاً مع مديري الأقسام ورئيس مجلس الإدارة إبراهيم الخوري، علماً بأنّ الأخير لا يحضر إلى المحطة منذ أشهر لظروف صحيّة، ما أجّل دفع رواتب الموظفين أخيراً.
وأمام هذا الواقع، تفرض مجموعة من الأسئلة نفسها: هل سيعيَّن رئيس لمجلس إدارة للتلفزيون؟ وهل سيطرح الموضوع على جدول مجلس الوزراء من خارج جدول الأعمال قريباً؟ ومن هي الأسماء المرشّحة لتولّي المنصب؟ وهل سيفتح الباب مجدداً أمام توظيفات تهدف إلى إفادة المحسوبين على الوزير؟
في العامين الماضيين، طرحت أسماء عدة لتولي المنصب. منها الإعلامي رفيق شلالا، ونقيب ممثلي السينما والمسرح والتلفزيون والإذاعة جان قسيس، وعميد «كلية الإعلام والتوثيق» في الجامعة اللبنانيّة جورج كلاس، إضافة إلى مستشار وزير الداخلية والبلديات للشؤون الدولية طلال مقدسي، ورئيس قسم التمثيل في الجامعة اللبنانية (الفرع الثاني) جان داوود. وهنا، لا بد من الإشارة إلى أنّ معظم أعضاء مجلس الإدارة الحالي تجاوزوا سن السبعين بأشواط، وبعضهم لا يزور المحطة إلا لتقاضي راتبه الشهري. ومن بين الأسماء المرشحة للانضمام إلى المجلس المقبل، نذكر: عرفات حجازي، نزيه الأحدب، رامي الريس وسنا نصر.
وبالعودة إلى الأسماء المرشحة لمنصب الرئيس، فإنّ وصول أيّ منها إلى رئاسة المجلس يقتضي توافق الرئاسات الثلاث والزعامات السياسية الأخرى التي يسعى كل منها لأن يكون الاسم محسوباً عليها، لما في ذلك من منافع واضحة، تبدأ بتوظيف «رف» جديد من العاملين، ولا تنتهي عند السيطرة على ما يبث من أخبار وتغطيات. لكن يُشهد للوزير الحالي أنّه الوحيد الذي لم يفرض اسماً واحداً لتوظيفه في المؤسسة.
وفي ظل التأجيل المتكرر لإعلان الاسم المنتظر، بدأ تناقل نكتة سمجة، لا بل قرار يخشى بعضهم تطبيقه في إدارات الدولة ومؤسساتها. بعد مباركة القانون الأرثوذكسي للانتخابات من قبل جهات مختلفة، هناك من يخشى أن «يصبح لبنان كله أرثوذكسياً». تخوّف يتعلّق بتوسيع نطاق تطبيق القانون، ويتحوّل إلى قاعدة عامة يصار إلى تطبيقها لاحقاً في التلفزيون وغيره من المؤسسات، ويؤدي إلى مذهبة ما تبقى من المؤسسات في البلاد، ويفرض فرزاً طائفياً إضافياً لما نشهده أصلاً في كواليس التلفزيون وغيره من المؤسسات الإعلامية الرسمية.