هو مميزٌ بهدوئه. هو مميزٌ بابتسامته الغامضة، مميزٌ بنظراته الفاحصة والساخرة معاً في آن.
هو مميزٌ بميله الفطريّ إلى التماهي مع الظلال، أينما وجد، وهو مميزٌ بسيجارته التي تكاد لا تفارقها الشفتان.
حال اقترابه من مفاتيح البيانو، تتجلى أنامل العازف فتضيء ابتسامتُها شقاوةَ المجرّب، حينها تبوحُ جدّيةُ النغم الفاضح بتحفز العقلية الباحثة، وتكشف نضارةُ اللونيات عن أذن الملحن المتوثّبة.

تلك الأذن المستكشفة المتأملة، تلكَ تللكَ المُعضِلةُ التي تستلُّهُ من الظلال، تلكَ المتأهّبةُ العطشى أبداً إلى «طيفٍ جديد من نَغَم». حينها تتساءل أُذنكَ: هي رحلةٌ أخرى إذن، رحلةٌ تُلقي بـ«مريم» البابلية على شطآن كوبا؟ أم أنه التانغو إذ يتسلق منحنيات الكرمل؟ كلّا.
تُرى هل واصل «الوهابيّ» سهرته البيروتية، في باريس ساعةً أخرى، أم تُرى وجهُ أسمهان هو ذا المنعكس من «أشْرِعَة» ديبيوسي؟ كلّا!
بل إنّه الصدى الأول للحنٍ وُلِدَ عاشقاً لرائحة الزيتون الراميّ الأخضر. هو لحنٌ نحتَهُ فرج سليمان في مخيلتة ثمّ رحل. رحل بهدوئه المميز، وابتعد بابتسامته الغامضة وبنظراته العطشى أبداً إلى «طيف جديد من نَغَم». غاصَ إلى عمق كمنجات باخ، فانتشلتهُ مشاكسات سترافينسكي. حلّق حائراً ما بين هموم بيتهوفن وعبثية الرحباني الأصغر، فسَحَرَهُ بياتزولّلا وحنينُه النازف، دونما إسراف، إلى «وطنٍ ما». هكذا، ودونما إسراف! دونما إسراف، وبسيجارته التي تكاد لا تفارقها الشفتان، يطلّ ليتلو علينا ما تيسّر من قصار السُّوَر الـعاشقة، ومن تلكَ التائقة إلى «وطنٍ ما».
تلكَ العاشقةُ بلداً يولّف بين سكينة الضباب في لندن وصخب الشمس في حواري القاهرة. والتائقة إلى صدرٍ يلمُّ صراحة الزيتون الأخضر إلى أعجوبةٍ متعددة الأصوات والألسُن في ابتهالاتٍ مُهيبة. يطلّ ليتلو ثمّ ينثني بصمتٍ، فنقول: هو مميزٌ بهدوئه.
هو مميزٌ بابتسامته الغامضة،
مميزٌ بنظراته الفاحصة والساخرة معاً في آن، وهو مميزٌ بسيجارته التي تكادُ لا تفارقها الشفتان.
* موسيقي فلسطيني