نهار عصيب ومشؤوم عاشته دمشق أمس، لم تغب شمسه إلا بعدما خطفت عشرات الشهداء ومئات الجرحى الذين سقطوا اثر تفجيرات إرهابية ضربت نقاطاً عدة من العاصمة ووُصفت بالأعنف منذ اندلاع الأزمة في سوريا. وبينما هرع السوريون إلى لملمة جراحهم وجمع ما تبقى من أشلاء بعثرتها همجية الإرهاب، سارعت المحطات الفضائية كعادتها إلى البحث عن الخبر الدقيق من دون أن تعثر عليه. ظلّت التغطية الإعلامية للفاجعة هامشيةً أمام هول الحدث. لكنّ لعبة السياسة كانت حاضرة رغم الكارثة الانسانية. لكلّ محطة تغطيتها الخاصة التي تخدم سياستها، ولو كانت الدماء دافئة لم تجف بعد على اسفلت الشارع. طبعاً، كان التلفزيون السوري أول مَن بثّ الصور من موقع الانفجار الهائل في «شارع الثورة». لم تمهل الكاميرا المصابين كي يمسحوا الدم عن وجوههم، بل ركّزت عليهم وهم يلعنون أمام الشاشة الارهاب والتطرّف. فيما تلقى تلفزيون «الجديد» النصيب الأكبر من انتقادات مؤيدي النظام الذين قال بعضهم إنّ المحطة لم تر من تفجير حي المزرعة سوى مقر فرع حزب «البعث» حيث وقع التفجير بالقرب منه.
وبعيداً عن الشاشة، انسحب السوريون إلى عالمهم الافتراضي وصفحات التواصل الاجتماعي التي اعتادوها منبراً حراً يعبّرون فيها عن يوميات جرحهم النازف والأزمات المتلاحقة التي تطال حياتهم. هكذا، خيمت الصدمة على صفحات الفايسبوك الذي تعمّد بعض رواده نشر صور موجعة لعدد من القتلى وأخرى لأشلاء ما زالت على الأرض، وصور لأطفال مصابين وهم يستغيثون. وذيِّلت الصور بجمل راحت تتخيّل آخر يوميات هؤلاء الشهداء قبل لحظة الوداع الأخير. تخيّل المعلّقون أنّ الرجل الذي نشروا صورته كان يهمّ لأخذ امرأته الحامل إلى الطبيب، محتفياً بقدوم مولوده ومتحمساً لمعرفة ما إذا كان ذكراً أم أنثى فيما ابتسم الطالب الجامعي أمام دعوات أمه قبل أن يتوجه لمعرفة نتيجة امتحاناته، وفرحة الموظفات لخبر انصرافهن باكراً قبل عطلة نهاية الأسبوع. لكنّ مصائر كل هؤلاء ستتقاطع ويُقفل المشهد على المأساة والعويل والصراخ. وفي موازاة كل ذلك الألم، التفت بعض رواد الموقع الأزرق لتعليق يؤكد إخلاء «مكتبة الأسد» من روادها، وسيطرة الهلع على طلاب «المعهد العالي للفنون المسرحية» بعد سقوط قذائف هاون على «مبنى الأركان» المجاور للمعهد في ساحة الأمويين. علماً أنّ الأخيرة تجمع ـــ بالإضافة إلى هذا المبنى ـــ كلاً من مبنى «التلفزيون السوري»، و«مكتبة الأسد»، و«دار الأوبرا»، و«المعهد العالي للفنون المسرحية»، و«المعهد العالي للموسيقى». هذا الأمر أجبر بعض طلاب المعهد على البقاء في مبناهم لوقت طويل وسط الفوضى والهلع والصراخ. شلال الدم الذي انهمر على عاصمة الأمويين واكبه السوريون في تعليقاتهم واختصروا جوهر الحكاية، فكتب أحدهم على صفحته الخاصة على فايسبوك: «سوريا اليوم هي أن تفرح بعودة أفراد عائلتك سالمين بعدما عبروا من منافذ الموت ليبكوا معك مَن رحلوا»، فيما ركزت تغريدات السوريين على المفارقة المؤلمة في الانفجار الكبير الذي وقع بالقرب من مستشفى «الحياة»، فكتبوا عبارات مثل «في شارع «الحياة»، تعرّف السوريون إلى قصة الموت»، و«في دمشق يصبح جسر الحياة معبراً إلى الموت». فيما حمّل مدير مكتب قناة «المنار» في دمشق أنس أزرق مشاهد فيديو عبر حسابه على الفايسبوك تظهر إصابة الانتحاري الذي ألقي القبض عليه قبل أن يفجر نفسه وهو يحاول نطق الشهادتين. مع ذلك، كانت الصورة الأقوى أمس تلك التي تناقلتها وكالات الأنباء وانتقلت سريعاً إلى مواقع التواصل الاجتماعي: رجل جريح انحنى على امرأة ملقاة على اسفلت الشارع مضرّجة بدمائها. كان يحاول إنقاذها بما تبقى له من نفس!