لعبت الموسيقى دوراً رئيسياً في تاريخ الشاشة الفضية، سواء في هوليوود أو بوليوود أو غيرهما من الدول، حظيت هذه الفئة بتقدير جماهيري منذ بداية ظهور الأفلام الناطقة في العقد الثاني من القرن الماضي، واستمرت في جذب المشاهدين ولو مرت بمراحل عدة وتقلّبات كثيرة، بين كثرة الأعمال إلى ندرتها وإعادة إحيائها مجدداً.
كلّنا نذكر فريد استير وجينجر روجرز في «توب هات» (1935)، وجولي أندروز في «صوت الموسيقى» (1965)، وأفلاماً مثل «كاباريه» (1972) و«مولان روج!» (2001). مع وجود الاقتباس السينمائي الموسيقي لرواية فيكتور هوغو الخالدة «البؤساء» (الصورة) على قوائم الأوسكار بثمانية ترشيحات مختلفة، تحتفي الأكاديمية الأميركية في هذه الدورة بالأفلام الموسيقية التي أُنتجت في السنوات العشر الأخيرة. أبدى منتجو الحفل حماستهم للاحتفاء بـ«شيكاغو» الذي نال أوسكار أفضل فيلم عام 2002 و«دريم غيرلز» (2006)، كلاهما حقّق نجاحاً جماهيرياً إلى جانب أفلام أخرى لم يعلن عنها. ولعلّ احتفال الأوسكار يتضمّن فقرة موسيقية خاصة تعيد إنتاج مشاهد شهيرة من هذه الأفلام أو لقطات سينمائية مستعادة.
رغم انتشار الأفلام الموسيقية حول العالم، إلا أنّ لها مكانتها الخاصة في هوليوود. منذ انطلاقتها التاريخية مع بداية الدخول التدريجي للصوت إلى السينما الصامتة، اقترنت الأفلام الموسيقية بترفيهيّتها العالية مع الربح التجاري. الشعبية الهائلة التي حظي بها الفيلم الناطق، وتحديداً مع فيلم «مغني الجاز» (1927) ونجمه آل جولسون. قبلها، بدأ الجمهور بالتعرف إلى استخدام الصوت في السينما عن طريق الموسيقى المرافقة ومن ثم في الأفلام القصيرة. لكن عندما غنى جولسون بعد مرور خمس عشرة دقيقة من بدء الفيلم، شكّل ذلك حدثاً تاريخياً. أدركت الغالبية أنّ مستقبل السينما يكمن مع الصوت. بعد النجاح الهائل الذي حقّقه الفيلم، بدأت الإنتاجات تلو الأخرى، وبدأ انتقال النجوم والكتّاب والخبراء من خشبات مسارح برودواي إلى الاستوديوهات، حتى بدأ ظهور الأفلام الموسيقية الناطقة بالكامل مثل «لحن برودواي» (1929) الذي نال أوسكار أفضل فيلم، وهو أول شريط ناطق يحصل على الجائزة.
مع النجاح الهائل للأفلام الموسيقية، خضعت هذه الفئة لمنطق هوليوود التجاري ولمعادلات الربح والخسارة. ونظراً إلى الإقبال الجماهيري الهائل، تنافست الاستوديوهات على جيوب الناس، فارتفع الإنتاج، إلى أن وصلت الأفلام الموسيقية إلى أكثر من 100 فيلم عام 1930، ثم شهدت تدهوراً في أواخر العقد الثالث بعد انخفاض الإقبال.
مع هذه الورطة، كان الحل المؤقت في ابتكار صيغ جديدة للفيلم الموسيقي بعيداً عن الحبكات المكررة بكثرة، وخرجت أفلام مثل «نغنّي تحت المطر» (1952). ومع مرور الزمن، شهدت هذه الأعمال تقلّبات لناحية تقبّل الجمهور لها متأثرة بالمظاهر الثقافية والسياسية المتعددة، وارتفاع شعبية أنواع موسيقية أخرى. استمر الإنتاج مع اقتباسات مسرحية مثل «صوت الموسيقى» وإنتاجات أصلية مثل «ماري بوبنز» (1964)، و«كباريه» (1972) لبوب فوس الذي وضع الفيلم الموسيقي في خلفية سياسية قاتمة مع صعود النازية في برلين، والفيلم الشهير The Rocky Horror Picture Show الذي فشل نقدياً، لكنّه اكتسب جمهوراً خاصاً به لاحقاً. الألفية الجديدة شكلت عودة لشعبية الأفلام الموسيقية، فانطلقت ماكينة الإنتاجات وما زالت مستمرة، الحبكات تشهد توسّعاً، والإخراج الفني مبهر مع توافر التكنولوجيا الملائمة، وهو ما يثبته توم هوبر باقتباسه رائعة «البؤساء». مع ثمانية ترشيحات، من بينها أفضل فيلم وأفضل مخرج، لا يزال الفيلم الموسيقي قادراً على جذب الجمهور وتحقيق الأرباح.