يد واحدة مهما دار الزمن! هكذا هم محبّو الفنان زياد الرحباني في السرّاء والضرّاء، والصحة والمرض، والقحط والرخاء. جمهور من مختلف المشارب والانتماءات، موزّع بين العالمين الافتراضي والواقعي، ملّ فترات الحنين والاستذكار إثر غياب «ملك الساحة عَ بياض» لسنوات طويلة عنهم. الملل نفسه قادهم إلى إطلاق حملة «الشعب يريد زياد الرحباني» في نيسان (أبريل) الماضي التي حققت حلم العودة الذي لطالما كان بالنسبة إليهم «ضرباً من خيال». عودة رحبانية دونها حقل ألغام، بدءاً من الإطلالة في مهرجان «الوعد الأجمل» في أيار (مايو) الماضي والجدل الذي تلاها وفتح باب التأويلات والتكهنات حول ماهية الطريق الذي سيسلكه صاحب «بخصوص الكرامة والشعب العنيد». هذا لناحية الصورة، أما على صعيد المضمون، فقد استُكملت العودة بـ«مانيفستو» مساحته في «الأخبار»، مروراً بالمقابلة التلفزيونية على قناة «الميادين» التي أثارت ردود فعل متناقضة حول رأيه بالأزمة السورية والمقاومة. مع ذلك، شكّلت الحفلات الموسيقية في منطقتي ضبية (شمالي بيروت) والأونيسكو (بيروت) المظلّة الجامعة لهؤلاء، إذ عززت أواصر المحبّين الذين هبّوا فرادى وجماعات لارتيادها.
لكن هذا الوئام لم يدم طويلاً. سرعان ما بدده الإعلان عن التعاون بين الرحباني والمغنية اللبنانية مايا دياب خلال الحلقة ما قبل الأخيرة من برنامج «Sorry... بس» على شاشة الـ OTV (الخميس 20:30). طبعاً، الخبر لم يكن مفاجئاً، سبقته تحضيرات وتصريحات صحافية لكلا الطرفين تمهيداً لخطوة مماثلة، إلا أنّها لم تسكت الأصوات الغاضبة. المسألة لم تَرُقْ بعضَ محبّيه الذين جاهروا بانتقاد مشروع التعاون، فكيف يعمل «فنان ملتزم مع كتل من السيليكون؟» سأل أحدهم على الفايسبوك. امتعاض هذا المعجب نابع من وجود عدد كبير من الفنانين ممن يستحقون لحناً «زيادياً». بعض المعلّقين استوحى من أغنية «ولّعت كتير» (كلمات وألحان وتوزيع زياد الرحباني ـــ ألبوم «مونودوز») التي غنّتها فرقة «4 Cats» (سبق أن ضمّت مايا دياب) ليمرر انتقاده قائلاً: «ولّعت كثير يا زياد، خلّصت الكبريتي، لا إنت الزير ولا هيّ نفرتيتي»، متمنياً عليه التشدد أكثر في «مستوى الأشخاص الذين سيتعاون معهم». وفيما اعتبر المعجبون أنّ أعمال دياب الفنية ذات مستوى هابط، ذهب البعض إلى أبعد من ذلك حين قالوا إنّ تعاون الرحباني ـــ دياب هدفه «الانتفاع المادي». في خضمّ هذا الهجوم الحادّ وطغيان جوّ التشنج على مجموعات عشّاق زياد الرحباني على الموقع الأزرق، خرج البعض الآخر داعياً إلى التروّي وانتظار العمل وعدم الاستعجال في إطلاق الأحكام المسبقة. وذكّر بعضهم بالأعمال التي قدّمها للطيفة التونسية. ورأى هؤلاء أنّ من الأفضل «عدم تنصيب أنفسنا أوصياء على الرحباني، فنملي عليه ما يجب فعله، هو يعرف مع من وكيف يتعاون». ومن وجهة نظر هذه الفئة، لاسم زياد عاصي الرحباني ما يكفي من الدلالات. لكنّ أحدهم أبدى إيجابية كبرى حين دعا الجميع إلى التروّي قائلاً «لربما قصد زياد الوصول إلى جمهور أوسع، يضيفه إلى قاعدته الشعبية»، مشيراً إلى أنّه من خلال «عمله مع دياب، قد يطال هذه الشرائح بالتأكيد».
قد تكون هذه الانقسامات ـــ سياسية كانت أو فنية ـــ في صفوف جماهير «أبو الزوز» (كما يحلو لهم مناداته) ظاهرة صحية وديموقراطية تلغي الانسياق الأعمى، وتحضّر لأرضية خصبة تمهّد لمزيد من النقاش وربما «التصادم الافتراضي». وما يبقى علينا سوى انتظار ولادة العمل العتيد لتبيان الخيط الأبيض من الأسود.
وكان صاحب «فيلم أميركي طويل» قد أعلن على الشاشة البرتقالية عن عمل فنّي سيجمعه بمايا دياب، فيما أكدّت الأخيرة أنّ الأغاني التي ستحمل توقيعه ستندرج ضمن ألبوم منفصل. وعزت دياب ذلك إلى «اختلاف زياد وتفرّده. إنّه إنسان لا يتكرر»، شاكرةً إيّاه على «الفرصة التي يحلم بها كثيرون ممن سبقوني إلى الفن بسنوات». وبعدما أعربت دياب للرحباني عن حبّها له «قدّ الدّني، من اليوم لآخر الدّني»، بادر هو إلى وصفها بـ«المرأة الكاملة الأنوثة التي تتمتع بعقل رجل». وقبل أن يختم حديثه، تطرّق الرحباني إلى صوت دياب ذي «الخامة الجيّدة»، معتبراً أنّ هناك ملحّنين «لا يمدّونها بأعمال تليق بطبقة صوتها».