دمشق | مات ياسين بقوش قبل أن يلقى حتفه بسنوات طويلة. أهمله شركاؤه في الكوميديا السورية في وضح النهار، فتلاشى حضوره على مراحل. أرشيف الأبيض والأسود وحده ما كان يعيده إلى الذاكرة بألق المرّة الأولى. لم تلغ الإعادات المتكررة لأعمال مثل «حمّام الهنا»، و«ملح وسكر»، و«مقالب غوار» بهجة الزمن السعيد وسطوة الكوميديا المحليّة الخالصة. كاراكترات مدهشة عابرة للأجيال، رسمها رفيقه الراحل نهاد قلعي بنكهة الحارة الشعبية، فظلّت هذه الشخصيات محفورة في ذاكرة المشاهد رغم أطنان الأشرطة اللاحقة التي تتوسل الضحك.
كانت حصّة ياسين شخصية الأبله أو الطيّب، ذلك الرجل الذي تجري المياه من تحته من دون أن يحسّ بالبلل. سوف يقع في المغطس مرّات، لكنه سينجو لأسباب قدرية غالباً، لا عن ذكاء. الأفعال الشريرة التي يقوم بها غوار الطوشة، و أبو عنتر ستمرّ عبر ساعي البريد ياسينو، القفاز الذي يرتديه الآخرون، ثم يخلعونه عند أول منعطف من دون أن يشعر بالخسارة. مقالب غوار ضد حسني البورظان للفوز بقلب «فطوم حيص بيص» في مسلسل «صحّ النوم»، ستنتهي بصفعة لكليهما، وذلك بزواج ياسينو بها. فلسفة شعبية ودرس في انتصار الفطرة الشعبية على المكر. إخلاصه لشخصية الأبله أمام الكاميرا طوال حياته أقنعت جزءاً من جمهوره ببلاهته في الواقع. كان بعضهم يتعامل معه على أنّه ياسينو أيضاً من دون أن يؤلمه ذلك. انفرط عقد الشركاء باكراً. مات نهاد قلعي وتلاه ناجي جبر، فيما استمر دريد لحام منفرداً، فخسرت الكوميديا السورية أصالتها. حاول بقوش أن يرمّم عطب العزلة بتأسيس فرقة مسرحية، لكنه لم يستمر طويلاً. فورة الدراما في تسعينيات القرن المنصرم استثنته من قوائم نجومها، فعاش فقيراً في مخيم اليرموك للفلسطينيين بين بسطاء يشبههم ويشبهونه. لم يغادر إلى مكانٍ آخر، حتى في ذروة حالات النزوح من المخيّم، فكان أن انتهى بقذيفة هاون أثناء مرور سيارته في حي العسالي، تاركاً الساحة لصيارفة الفن الطارئين. ضحية نموذجية على مذبح الدراما. لم يكرّمه أحد ولم يطلب ذلك يوماً. عاش كإحدى شخصيات موليير، ومات على الطريقة الشكسبيرية.