«لا أريد الموت عجوزاً جداً» قال ستيفان هيسيل (1917 ـــ 2013) خلال مقابلة أجرتها معه أخيراً قناة LCI. مريد سبينوزا (الانسان هو في كل مكان) و«عاشق شعر ريلكه» الذي يقارن الانسان بالنحلة التي «تجمع رحيق المرئي لتكديسه في قفير ذهب اللامرئي»، أضاف: «لا أخشى الموت». المقاوم العتيق والديبلوماسي الفرنسي الشهير كان عملاقاً على الساحة الأدبية والاجتماعية والسياسية قبل أن ينطفئ أول من أمس عن 95 عاماً في منزله الباريسي. كان مساره فريداً بدءاً من ولادته من قصة حبّ عصية على التقاليد، جمعت والده الكاتب فرانز هيسيل والرسامة هيلين غروند. أمّه التي يعود إليها الفضل في انفتاحه الفكري كما قال، عشقت رجلين في آن، فألهمت السينمائي فرنسوا تروفو رائعته «جول وجيم». الناجي من المحرقة (شارك في تأسيس الأمم المتحدة) الذي عمل على الاعلان العالمي لحقوق الانسان، جاءته الشهرة متأخرةً عام 2010: كتابه «اغضبوا» (عرّبته «دار الجمل») الذي بيع منه أكثر من أربعة ملايين نسخة حول العالم، مانيفستو ألهم الشباب في ساحات التغيير، محرّضاً إياهم على الانتفاض ضد الظلم.
لكن قبل ذلك، ناضل هيسيل طوال حياته ضد أعطاب المجتمع، مدافعاً عن المقهورين والمهمّشين، والمهاجرين، وديكتاتوريات السوق كما الديكتاتوريات السياسية، وآخرها دعمه للانتفاضات العربية، وخصوصاً السورية. لقد عاصر هذا الوجه اللحظات القوية في القرن العشرين. تجربته في معسكرات الاعتقال النازية شكّلت محطة تأسيسية في مساره جعلته يتبنى قضايا الانسان أينما وجد من إسبانيا واليونان إلى فلسطين حيث زار غزّة، ودعا إلى «وضع إسرائيل على قائمة الدول الاستبداديّة التي ينبغي مقاطعتها». خلال مقابلته مع LCI، سئل عن حلمه الأعز إلى قلبه، فأجاب: «حلّ النزاع الاسرائيلي الفلسطيني». في آذار (مارس) 2012، خصّص هيسيل للصراع العربي الاسرئيلي كتاباً عبارة عن مراسلات مع المؤرخ والكاتب الفلسطيني الياس صنبر (بعنوان «المنفي والناجي» ـــ دون كيشوت). في هذا العمل، وجّه هيسيل أصابع الاتهام إلى اسرائيل التي تواصل بناء المستوطنات خارقةً القانون الدولي، داعياً المجتمع الاسرائيلي إلى الاستفاقة.