عمّان | يكفي القارئ الأردني جريدة واحدة للاطلاع على مجريات الأحداث في البلاد، لا بل يمكنه الاستغناء عنها تماماً لصالح وكالة الأنباء الأردنية! في 11 شباط (فبراير) الماضي، صدرت الصحف الخمس اليومية («الرأي» و«الدستور» رسميتان، و«الغد» و«العرب اليوم» و«السبيل») من دون فروق جوهرية. ثلاث منها نقلت خبر خطاب الملك عبد الله الثاني يوم افتتاح البرلمان عن الوكالة، محوّلةً عنوانها (بأمانة تامة) إلى مانشيت: «الملك: سنواصل العمل بعزم لترسيخ مكانة الأمة مصدراً للسلطات»، لا بل إنّ إحداها لم تشر إلى الوكالة كمصدر.
مشت صحيفة أخرى على خطى أخواتها، معلنةً أنّ الملك وضع «العملية السياسية» في عهدة البرلمان والحكومة، من دون أن توضح مانشيتها ماهية هذه العملية! عنوان صحيفة «السبيل» (لسان حال الإخوان المسلمين) اقتنص ضالته من الخطاب الملكي في محاولة لإثبات صحة مقاطعة الجماعة للانتخابات، فجاء على الشكل الآتي: «دعوة الملك إلى مراجعة قانون الانتخاب».
على الرغم من تلوّن عمّان بوقائع مختلفة، إلا أنّ صحافتها تتمسك بعقلية أحادية تغيّب الخبر، مرتضيةً رواية وحيدة تفصَّل على مقاس السلطات. هذا ما يقود إلى طغيان أعمدة الرأي على الجانب الخبري في جميع الصحف والمواقع الإخبارية، لكنّ أغلب كتّابها تتباين آراؤهم بحسب الاختلافات بين أطراف الحكْم، بدليل انتظامهم في جوقة واحدة إذا ائتلفت إرادة تلك الأطراف حيال موقف ما.
ولأنّ ذاكرة المدينة قصيرة تذوب في ملح حكّامها، يتناسى الكتّاب اعتراضاتهم قبل أشهر قليلة على قانون الانتخاب و«استحالة تشكيل حكومات نيابية»، فيبادرون إلى كتابة مقالات تمجّد دعوة الملك الأخيرة مجلس الأمة إلى تحمّل مسؤولياته في «إنجاح مرحلة التحوّل التاريخية وإفراز الحكومات البرلمانية وتطوير ممارستها». وفي غضون ذلك، تتصدّر صفحات الشؤون المحلية تحقيقات ركيكة تُظهر تأييد الأحزاب والعشائر والفاعليات الاجتماعية للخطاب المذكور، بلا اختلاف يُذكر في صياغتها ومضامينها عن تلك المنشورة حول خطاب الملك قبل ثلاث سنوات.
وبما أنّ خطاب الملك سلعة خبرية يفترض تسويقها بغية تحفيز المشاعر من خلال تعداد مميزاته، فلا بد من الحديث عن الصفحات الاقتصادية التي توسعت أخيراً من دون تغيير يذكر: نقل حرفي لتقارير وكالات الأنباء، وإفراد مساحات أكبر لأخبار المعلنين، إضافة إلى بعض المقالات الخجولة التي تنتقد السياسات الاقتصادية الحكومية. وبالانتقال إلى صفحات الأخبار العربية والدولية، يلاحظ المرء غياب دور مطبخ التحرير ومواقفه حيال الأزمات التي تحيط بالأردن. أيضاً لا تعديل على أخبار الوكالات العالمية، حتى لو اختلفت في توجهاتها عن تقرير لمراسل الصحيفة ـــ إن وجد ـــ منشور إلى جوارها.
لا ضير في إلقاء نظرة على تقويم مجالس تحرير الصحف في انتقاء الخبر الذي سيعرض على صفحتها الأولى. مثلاً تختار صحيفة تقريراً عاديّاً عن المستجدات الميدانية للأزمة السورية، بينما يتصدر خبر إفشال مبادرة رئيس «الائتلاف الوطني السوري» أحمد معاذ الخطيب معظم الصحف العربية. غياب تام للتحليل الإخباري الذي يتلمس تأثير التطورات في المحيط (وخصوصاً فلسطين) على الواقع الداخلي في بلد حيث تحظى «إسرائيل» بتقدير ضمناً.
تفتقر اجتماعات التحرير الصباحية إلى رؤية تنظّم عمل الأقسام مجتمعةً، قبل أن ينفضّ الجمع في انتظار اجتماع مسائي يحضره المحررون بعد جمع تقاريرهم التي قد يفرّقها اتصال من جهة «معلومة» يرتّب الأولويات ويستثني ما فاض عن الحاجة. لن يغفل رئيس التحرير مهمة رقابية روتينية لفحص مقالات الكتّاب التي يجب ألا تتعدى حدود السخرية المتفق عليها، أو أن تعالج المواضيع الحساسة بنظرة تفوق وحدة القياس المجمع حولها. ردود الفعل في اليوم التالي لا يحددها القراء الذين لا يتجاوزون الـ 100 ألف في بلد السبعة ملايين نسمة تقريباً، بل صانعو القرار؛ فقد تفلت من قبضتهم مادة صحافية أزعجت جهة ما!