تعيش الصحافة الأردنية على الإعلان، حتى تلك المصنفة رسمية وتعزى إلى الحكومة والنظام عامةً. والإعلان الفردي الصغير بطبيعة الحال يذهب إلى الصحافة المعترف بها من المحاكم والمنصوص عليها في القانون بوصفها وسيلة إخبار معتمدة، إضافة إلى أن المعلن الصغير يختار هذه الصحافة لتلبية احتياجاته الإعلانية الخاصة باعتبارها معتمدة ومعترفاً بها. والحال كذلك مع المعلنين الكبار.
لكن هذه ليست كل الصورة؛ إذ تعددت أشكال الإعلان وتنوعت، ووزعتها يد قديرة بنسب محسوبة بين المؤسسات الصحافية والمواقع الإلكترونية، وبالذات بما يتعلق بالإعلانات الحكومية وحاجات المعلنين الكبار، فحرية التجارة واقتصاد السوق والتحرر من قبضة الدولة لا تعني في الحالة الأردنية (والعربية عامة) أن يغدق معلن كبير بإعلاناته على وسيلة إعلامية لا تسمع كلام «الدائرة» التي يدور الأردن في فلكها، فأمن «السوق» وسدنتها أهم من السوق نفسها!
الإعلان شيء، وهناك أشياء أخرى أيضاً؛ فمن المفترض أن الحكومة لا تملك حصة في الصحف الأردنية، ولكن مؤسسة الضمان الاجتماعي تملك حصصاً وازنة في الصحف الكبرى، إلى جانب النقابات المهنية، ثم إن نفوذ الحكومة التي تعيّن مدير عام مؤسسة الضمان الاجتماعي وتعجز في الوقت نفسه عن الهيمنة على أموالها، تفرض سلطتها وصوتها من خلال حصة هذه المؤسسة، بل سبق أنْ منعت نشر إعلانات مدفوعة الأجر لنقابة المهندسين وهي مساهم رئيس ممثل بمجالس إدارة تلك الصحف التي استنكفت عن نشر إعلاناتها مدفوعة الأجر.
المعلن عنه أنّ الحكومة لا تتدخل، بل إن حكومة دشنت عهدها بميثاق شرف تمتنع بموجبه عن تقديم عربونات محبة إعلانية، ثم اتضح أن هذه الحكومة بالذات كانت الأسوأ في هذا المجال، رغم مدتها القصيرة في الحكم.