طوال سنوات، لم تتعدّ البرامج الساخرة على الشاشات اللبنانية «رسالتها» الأساسية في الترفيه عن الجمهور من خلال اسكتشات طريفة وكاراكتيرات بعضها لافت خصوصاً أنّه خارج من نسيج المجتمع مثل البيروتي «أبو رياض» (برنامج «لا يملّ» على «المستقبل» سابقاً). مع ذلك، فقليلة هي البرامج التي عكست «تشوّهاتنا» العميقة وشوائبنا الكثيرة ونقلتها إلى الشاشة بشكل جعلتنا نضحك على أنفسنا عند مشاهدتها.
بل إنّ بعض هذه البرامج حملت جرعات كبيرة من العنصرية وأسهمت في الجهل والتخلّف الذي نغرق فيه («كتير سلبي» على mtv مثالاً). وحده «شي. أن. أن» كان مرآة مضخّمة عكست بخفة وعمق ــ في آن ــ «عورات» المجتمع اللبناني المصاب بالشيزوفرينيا والانقسامات الطائفية والمذهبية والعنصرية والـ«زينوفوبيا»، وقدّم في مكان ما رسالة توعوية من خلال التعليق على آخر الأحداث والتطوّرات الراهنة على الساحة مثل الزواج المدني، والقانون الأرثوذكسي وآخرها إضراب «هيئة التنسيق النقابية».... ولعلّ سرّ Chi.N.N يكمن في أسلوب تقديم كل ذلك في اسكتشات لافتة حقاً. السرّ أيضاً يكمن في فريق عمل شبابي علماني خارج من رحم المجتمع حاملاً أوجاعه وهمّه بصدق، والأهم بسخرية مطلوبة في زمن اليأس ربما! لم تكن فكرة «شي. أن. أن» وليدة المصادفة، بل جاء في زمن الـ«متناقضات» الكثيرة التي تمثّلت في مصالحة الدوحة التي تلت أحداث 7 أيّار (مايو) عام 2008. يومها، أيقن المنتج والمخرج سلام الزعتري أنّه بات ضرورياً البدء بـ«نقد ذاتي حقيقي»، واعتبر أن أسلوب نجمي التلفزيون الأميركيين جون ستيورت (1962) وستيفن كولبير (1964) هو «الأنجع والأكثر تأثيراً وعملانية».
«القصد من Chi NN كان (وما زال) إنتاج برنامج ساخر يحاكي مختلف المواضيع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، بعيداً عن الأسلوب السائد على الشاشات اللبنانية»، يقول الممثل إدمون حداد أحد شركاء الزعتري الأساسيين في بدايات البرنامج. في حديث لـ«الأخبار»، يضيف الكوميديان الذي درس المسرح في «جامعة القديس يوسف» في بيروت أنّ البرامج الساخرة التقليدية على شاشاتنا «تجمّل صورة الرجل السياسي»، مشدداً على أنّ على الممثل الكوميدي الناقد ألا يسمح بإنشاء «مساحة تنفيسية للطبقة السياسية» بمعنى عدم التبرير للمسؤولين السياسيين أمام الرأي العام من خلال الاقتصار على تقليده بطريقة ظريفة تحبّب الجمهور به ومن دون حس نقدي يسهم في توعية الناس.
تحدٍ أساسي واجهه الشباب أثناء التحضير لإطلاق مشروعهم الجديد، تجسّد في خروجهم من الاصطفافات السياسية، وانتقاد جميع الأطراف بسخرية لاذعة في عزّ الأزمة السياسية التي كانت تعصف بلبنان.
منذ بدايات البرنامج عام 2009 على قناة «الجديد»، واكب حدّاد «شي. أن. أن» إلى أن تركه وانتقل إلى «المؤسسة اللبنانية للإرسال» لتقديم برنامجه الخاص «أين شتاين؟»، قبل أن يسافر إلى فرنسا لإكمال دراسته. لا يخفي الشاب اللبناني الذي أثار حنق الرقيب والقضاء سابقاً بحجة «الاخلال بالآداب العامة في مسرحية ساخرة» (الأخبار 24/4/2012) ندمه على الابتعاد عن Chi NN، ورغبته في الانضمام إلى الفريق مجدداً مع عودته إلى لبنان. يقول: «إذا مش بـ (شي. أن.أن) بشي ثاني»، علماً أنّه ما زال يشارك مع الفنان زياد سحاب في كتابة بعض نصوص البرنامج.
يعترف حدّاد للبرنامج بفضله في «تعريف الجمهور اللبناني عليّ، وإجباري على تطوير أدائي أمام الكاميرا»، لافتاً إلى الشبه الكبير بينه وبين الزعتري. هنا، يروي حدّاد قصة تعارفهما: «في أوّل لقاء بيننا سألني: ما رأيك بالسرلنكية؟»، فأجبته «مش هيدي اللي منضربها بالبيت؟. ومذاك عرفنا أن توجّهاتنا تكاد تكون متطابقة».
ويلفت حدّاد إلى أنّ مضمون نصوص البرنامج كانت صالحة «للكبار فقط»، قبل أن يلاحظ الفريق أن متابعيه لا ينحصرون في الفئات العمرية المتقدمة. يؤكد سلام الزعتري (منتج البرنام وأحد مقدّميه) لـ«الأخبار» أنّ المضمون تغيّر مع الوقت وصار يغطي مواضيع أكثر «ويذهب بها نحو العمق». لكن لماذا لم يختلف الشكل كثيراً؟ يعزو الزعتري ذلك إلى «نقص التمويل»، مشدداً على أنّها مسألة ضرورية جداً.
فؤاد يمّين إحدى الشخصيات الثابتة في البرنامج «صامد» أمام الكاميرا إلى جانب الزعتري (الذي حل مكان حدّاد) بخفّة دمه المعتادة، فضلاً عن مشاركته في أعمال عدة «وراء الكواليس».
يمكن لمتتبعي البرنامج «الأوفياء» أن يلاحظوا التغيير الذي طرأ عليه خلال السنوات الثلاث الماضية لجهة الشكل والمضمون. رغم أنّه استغنى عن بعض فقراته الثابتة مثل «الصفحة الطائفية» التي كانت تتضمن عرضاً لأكثر «تصريح طائفي» خلال الأيّام التي تسبق الحلقة، إلا أنّه غادر الاستديو إلى الطرقات وجال بين الناس في الأسواق والجامعات والشوارع. الهدف الأبعد من التغيير وإبراز عيوب المجتمع اللبناني على الشاشة، كان إطلاق حملة توعية للمواطنين تتعلّق بالانتخابات النيابية المقبلة وتساعدهم في المحاسبة والابتعاد عن الولاء الأعمى، وسنلاحظها أكثر خلال الحلقات المقبلة.
هكذا تحوّل Chi NN إلى أشهر البرامج الشبابية بلا منازع، كرّس شخصيات أغنت الشاشة. المحلل السياسي أبو طلال (وسام سعد) مثلاً انضم إلى الـ«شي. أن. أن» مع انطلاقته، فخلق ظاهرة فنية أثارت الرأي العام. تأثير ابن صيدا (جنوب لبنان) في الجمهور بدا واضحاً في كليب أغنية Oppa Saida Style. في مقابل الانتشار الكبير الذي حققته، علت بعض الأصوات المتشددة التي هدرت دم مؤديها (الأخبار 3/12/2012).
حين غادر الشاب الذي درس التمثيل في القاهرة البرنامج لمدّة ستة أشهر، شعر بمسؤولية كبيرة تجاه الجمهور، وأيقن أنّ «أبو طلال» ليس مجرّد «كاراكتير بسلّي» لأنّ وقع الرسائل على الجمهور من خلاله «أقوى من دون شك». بعد عودته إلى البرنامج، صار يحضّر سعد أدواره بعناية أكبر، موضحاً أنّ لا حدود لحرّيته «ما دام لا يجرّح بأحد»، مقرّاً بأنّ الصعوبة الحقيقة تكمن في تقبّل الجميع للانتقادات «من دون أن تأخذ منحى شخصياً».
مَن منّا لا يعرف بوسي مولّع (ليا حصروتي)؟ مذيعة الطقس «الكول والسكسي» صارت جزءاً من الفريق في الموسم الثالث، رغم أنّها لا تحبّ الكاميرا. ترى الشابة التي درست الإعلام المرئي أنّه لا يمكن لدورها أن يتطوّر كثيراً، لكن بشخصيتها كفتاة «بلهاء»، إنّما هي توجّه رسائل كثيرة لمجتمع ذكوري وللمرأة التي لا تنظر إلى نفسها إلا بوصفها «قنبلة جنسية».
ومن بين الشخصيات التي عرفها المشاهد ولم تعد موجودة اليوم، نذكر المراسل جاد داني علي حسن الذي حل مكانه عبد الرحيم العوجي في التغطيات الميدانية والتقارير المصوّرة، فضلاً عن الشاب البعلبكي أكرم سلمان الذي اُستبدل بعباس جعفر.
يؤكد سلام الزعتري أنّ ضعف الميزانية ــ التي زادت نسبياً أخيراً ــ تعدّ العائق الأساسي أمام تطوّر البرنامج، مشيراً إلى أنّه يحتاج إلى فريق إعداد أكبر يمكّنه من التفرّغ لمهمات محددة بدلاً من الانشغال بالتفاصيل كافة. يفضّل الزعتري العمل وراء الكاميرا، ويعتبر أن الصداقة التي تجمعه بأعضاء فريقه «سيف ذو حدّين». وفي ظل الاتفاق على شخصية جديدة «تبتعد تماماً عن أبو طلال» سيطلّ من خلالها وسام سعد قريباً، يلمّح الزعتري إلى أنّه قد نرى «شي. أن. أن» بحلّة جديدة بـ«أسرع مما نتصوّر»، إضافة إلى انضمام الجمهور إلى الاستوديو.

Chi N N: كل اثنين 22:00 على «الجديد»