لطالما مثّلت الطيور مصدر إلهام «دار قنبز» التي لم تختر اسمها بالمصادفة. أخيراً، حطّت طيور «قنبز» رحالها في الطابق الثاني من «مركز بيروت للفن» حيث أقامت نادين توما وسيفين عريس وهبة فران المعرض التفاعلي «طير يا طَير» الذي انطلقت فكرته من أنّ لبنان محطة أساسية للطيور المهاجرة، ما يمثّل غنى بيئياً يجب المحافظة عليه. هكذا، جاء المعرض الموجّه إلى الصغار والكبار، ليأخذنا في رحلة في عالم الطيور.
عند صعودك الطابق الثاني، تستقبلك طيور سنونو ترافقك طوال الدرج. عند المدخل، رسمت هبة فران دجاجة كبيرة مع نص كتب على الجدار «دجاجه طَوزه/ نقرت جوزها/ حمار مربوط/ بجل التوت/ دجاجه غريبه/نقرت طيزي/ بشفاتيرها/ يا تعتيرها». ليس النص والرسم سوى مقتطف من الكتاب المتوافر في المعرض (راجع الكادر). في وسط المساحة، يُعرض بلاط صُنع حرفياً، واختير لكل تصميم نوع من الطيور لتزيينه. إلى اليسار، تعرض تصاميم لاصقة تجسد بومة، وأغصاناً، وعصافير، وأسلاكاً كهربائية، يمكن تنسيقها معاً لتزين جدران الغرف. ومن بين الطيور التي تعرّف عليها روبين ريكيت ــ أول عالم طيور قَصَد المنطقة ــ ووثّقها في «كتاب لبنان للطيور»، اختارت «دار قنبز» بعضها لإعادة تقديمه إلى الأطفال. هكذا تجد اسم العصفور بالعربية والإنكليزية والفرنسية مع رسمه كما جاء في كتاب ريكيت، وطبعة كبيرة مفرغة بالأبيض والأسود، حيث يمكن الأطفال إعادة تلوينها. إلى جانبها، يعرض «تطريز الطير» بعض رسوم العصافير المطبوعة على كانفاس للتطريز مع خيطان ملونة. هكذا تجد هنا وهناك الكثير من التصاميم التي تتخذ من الطيور وعالمها منبعاً للإبداع: وسائد، ودولاب فرجة خشبي صمِّم خصيصاً للمعرض، وطبعة لعصفور تختارها لتطبعها على ورقة هدية، وأوراق لفن الأوريغامي. إذا كنت تريد تعلم تقنيات وأشكال جديدة للأوريغامي، فما عليك سوى زيارة المعرض كل سبت لتشارك في ورشة عمل يقودها جاد حلاج.
كذلك، يمكنك أن تستمتع بعرض خيال ظل حكواتيّ لقصة «بحرة بو حاحا» ترويه وتحرّكه توما يوم السبت، فيما ترافقها عريس بالموسيقى الحيّة. أما أدوات خيال الظل تلك، فيمكنك أيضاً أن تحصل عليها، بعدما وفّرتها «دار قنبز» في كيس قماش كي يصبح لكل مَن يريد مسرح ظل صغير في بيته. لم تكتف «قنبز» فقط بتلبية دعوة «مركز بيروت للفن» لإقامة المعرض في الطابق الثاني، بل قرّرت أيضاً إنشاء غرفة داخل المساحة، معنية مباشرة بالهمّ التربوي الذي يمثل جزءاً أساسياً من أعمال الدار. في تلك الغرفة، جرى تجهيز ملصقات كبيرة تظهر تنوع الطيور في بناء بيوتها مقابل تطور الإنسان والبناء من دون أن تهمل تلك الملصقات عناصر الحرب والدمار والهدم التي رافقت تاريخ الإنسان مقابل الخلق الذي تقدمه الطيور للطبيعة. وطبعت بطاقات بريدية مع رسوم ونصوص تدعو إلى المحافظة على البيئة انطلاقاً من أعمال بسيطة ويومية متوجهة إلى الفرد.
هكذا استطاعت نادين توما، هبة فرّان وسيفين عريس أن يقدمن معرضاً يجمع الجمال بالتسلية والتربية والتثقيف، محافِظات على هوية «دار قنبز» التي عوّدتنا على الأعمال التي تتميز بالتفاصيل، والبساطة، ودقة التنفيذ. وكي لا تطوى صفحة الطيور مع المعرض، تعاونت الدار مع وزارة المال لإصدار طابع بريدي جديد يحمل رسم عصفور الدوري (فئة الـ ١٠٠ ليرة لبنانية) الذي يبدأ العمل به انطلاقاً من هذا الشهر. أما فعاليات «طِير يا طَير»، فستتابع رحلاتها ابتداءً من ٢٣ آذار بين البقاع والشوف للاحتفال بموسم هجرة الطيور السنوي تحت شعار عصفور «النعّار».

«طير يا طَير»: حتى ٦ نيسان (أبريل) ـــ «مركز بيروت للفن» (جسر الواطي ـ بيروت) ـ للاستعلام:01/397018



التراث الشفوي الشعبي

في كتيّب متوافر في المعرض، جمعت نجلا جريصاتي خوري العدّيات الشعبية التي تذكر الطيور وما زال بعضهم يرددها في القرى اللبنانية، لكن معظمها بدأ يختفي من التراث الشعبي الشفوي. علماً أنّ نصوص تلك العدّيات مثل الأمثال الشعبية تحمل في طيّاتها الرموز والمجاز الغني وتعقيدات المجتمع اللبناني وكبته الاجتماعي والجنسي والديني عبر كلمات بسيطة ترددها عادة الجدة لأحفادها. «حنا حنين/ باض بيضتين/ بدل البيضه/ صاروا تنين». وتترافق العديات مع رسوم جميلة لهبة فران، كما يتضمن أسطوانة للعدّيات المغناة بصوت نادين توما (تلحين وعزف سيفين عريس وإيمان حمصي، بمشاركة خالد ياسين على الإيقاع).