لسنا في حديقة حيوانات، لكنّ معرض محمد عباس «ألسنا بشراً؟» الذي تستضيفه غاليري Artlab يضعنا أمام 23 لوحة بقياسات مختلفة تحتلها حيواناتٌ تأخذ وضعياتٍ بشرية. حسناً، لقد سبق لعدد من الرسامين أن فعلوا شيئاً مثل هذا في تاريخ الفن. أظهر هؤلاء شخوص لوحاتهم بأشكال حيوانية، أو جمعوها مع بعض الحيوانات، أو ترجموا ضراوة العالم الحيواني وعنفه على ملامح الوجوه وتفاصيل الجسد البشري. داخل هذا السياق، يحاول الرسام السوري الشاب (مواليد 1985) الانتماء إلى هذا النوع من التجارب التي اشتغل أصحابها على فكرة «المشروع» أو «الموضوع»، ولكن الحيوانات المجلوبة إلى اللوحات تنتمي إلى النوعية المدجنة والأليفة. هكذا، تختفي الشراسة والبشاعة اللتان كانتا تحضران لدى رسامين آخرين لفضح الجانب الغرائزي والبهيمي في أعماق الإنسان، بينما تحتفظ حيوانات المعرض بوداعتها وحضورها الطبيعي.
هناك مذاق مفهومي وموادّي ينبعث بوضوح من اللوحات، ولكن الرسام لا يذهب أبعد من التأويل المباشر والتقريري لفكرته الأولية، حيث الحيوانات تشتغل كموديلات تشخيصية، أو تترجم أنماطاً من السلوك البشري. الحيوانات هي استعارة تشكيلية مقلوبة ينجزها الرسام بإتقان فوتوغرافي شبه كامل. هكذا، نتجول في المعرض بإحساس من يقلّب ألبوماً حيوانياً. نشاهد خروفين يرتدي أحدهما ربطة عنق في لوحة «البرجان التوأم».
نتأمل خنزيرين واقفين وأمامهما خنزير أصغر في لوحة «بورتريه عائلي رئاسي». نتوقف أمام نعجة عارية مستلقية وتضع ساقاً على ساق في لوحة «عارية»، ونعجة ثانية ترتدي فستاناً أسود، وتحمل مظلة في لوحة «في انتظار المطر»، ونعجتين أخريين تتعانقان في لوحة «عناق» كما لو أنهما تلتقطان صورة للذكرى أمام كاميرا عادية. تتطور المعاني المستهدفة أكثر في لوحة مثل «تعليم» التي يقف فيها أستاذ برأس حمار أمام طلبة غير مرئيين، وخلفه لوح أسود، بينما نرى قطة بثوب برتقالي في لوحة «إجازة في غوانتنامو». في أعمال أخرى، تحضر دجاجات ونعام وبوم أيضاً. يصبح التأويل أصعب قليلاً، والبحث عن معادل موضوعي _ بشري أكثر خصوبة. يرتاح الرسام إلى موضوعه أكثر، وينشأ نوع من التصالح الكفيل بتصعيد المزاج إلى حالة من النشوة والثقة الذاتية. تتحرر الحيوانات أيضاً من التصورات الألبومية المسبقة، وتبدأ بالتموضع الحر على مساحة اللوحة، متخليةً عن الوظيفة الدلالية المباشرة. كأن الحيوانات (الأليفة على أي حال) تفقد شيئاً من انصياعها وطاعتها البديهية، وتقنع الرسام بقدرتها على لعب أدوارٍ أخرى من خارج النص الجاهز. الوداعة والألفة باقيتان طبعاً، ولكن الوضعية تصبح قطيعية بدلاً من الوضعية الفردية أو الثنائية في لوحة «أتوسّل الاختلاف» التي يتفوق فيها الرسام نفسه على فكرته الخام، فيرسم ثمانية خراف تقف متجاورة ومتلاصقة في مشهد أشبه بمانيكان بلاستيكية في «فيترينة»، بينما الثوب الأحمر لأحدها يصنع تضاداً تجريدياً لافتاً مع الثياب الشاحبة والموحَّدة للبقية.
المعنى المتحرر موجود أيضاً في لوحتين متناظرتين؛ الأولى بعنوان «رب عمل» وهي بورتريه لمسؤول أو رب عمل برأس خنزير منتفخ الملامح، وتزين رقبته ربطة عنق حمراء، بينما الثانية بعنوان «عاطل عن العمل» ويحتلها عاطل من العمل بملامح بائسة وبزة عمل زرقاء.
هكذا، يقنعنا محمد عباس المتخرّج حديثاً في «كلية الفنون الجميلة» في دمشق بباكورة معارضه الفردية. يضع الإنسان على طاولة تشريحٍ تُعيده إلى زمن سحيق ذي نكهة داروينية، ولكن ذلك يحدث بمزاج تشكيلي شديد المعاصرة، بينما التنقل بين الجانب الإنساني والجانب البهيمي يحضر معه مقترحات إضافية للحديث عن التعب والأسى الباديين على بورتريهاته الحيوانية.



?Are We Not Human: حتى 16 آذار (مارس) ـــ غاليري Artlab (الجميزة، بيروت) ــ للاستعلام: 03/244577