الهوية والانتماء هما عالم مسرحية «عندي سمكة ذهبية» التي تقدم على خشبة «مسرح مونو»، من تأليف وإخراج وتمثيل إيلي يوسف ويارا بونصار. التجربة الشخصية هي التي قادت الثنائي إلى الخوض في مسألة الهوية في بلد تتآكله الطائفية. موضوع ليس جديداً على المسرح اللبناني، خصوصاً في العروض التي قُدمت بعد الحرب الأهلية. يوسف وبونصار اختارا وضع المسألة في قالب درامي مختلف.
هكذا ألبسا هواجسهما في شخصيتين: المرأة تعمل في معمل للخياطة، وأصيبت في رجلها خلال الحرب. والرجل عائد إلى البلد بعد اغتراب طويل. يلتقي الاثنان على الخشبة في مساحة ما بين مكان عملها والوطن. شوادر خضراء تشكل جداراً يقسم المسرح جزءين. المساحة المكشوفة للجمهور حيث معمل الخياطة، والمساحة المستورة خلف الشادر (سينوغرافيا طارق مراد). قد تكون الشوادر تشبه تلك المستعملة في العمارة التي تفصل بين المدينة التي يُعاد إعمارها وطمس هويتها، والمدينة القديمة الحاملة للذاكرة. كما قد تفصل الخارج (من حيث أتى هو) والداخل (حيث بقيت هي). يستجمع بطلا العرض الذكريات. يستعيدان الأحداث القديمة التي جمعتهما. يتحاوران ويتأملان في الماضي، ولكنهما لا يجدان ما يسعف علاقتهما بالوطن. هواجس لم يجد لها الثنائي قالباً مثيراً وجديداً، بل غرقا في قالب درامي بطيء تسوده لحظات صمت كثيرة. هكذا علقت الشخصيتان في علبة المسرح، وبقيتا بعيدتي المنال عن الجمهور الذي يشاركهما الهواجس ذاتها. لكن كل شيء يتغير حين ينعطف العرض باتجاه ردم الهوة مع الجمهور. يتخلص الثنائي من البطء الدرامي، ويخاطبان الجمهور مباشرة. يخبر إيلي عن معاناته كسوري من أم لبنانية، بينما تتحدث يارا عن طفولة عاشتها في الحرب، وعن زمن راهنٍ لم يشفَ من آثارها. هي الأسئلة ذاتها، الهوية والانتماء، لكن الممثلين يتناسيان ذاك السياق الثقيل والبطيء درامياً، ويشاركان الجمهور تجاربهما، وأحاسيسهما الشخصية والحميمة، قبل أن يعودا مجدداً إلى المناخ التائه الذي كان سائداً من قبل، ويختمان العرض به. هكذا، يبدو واضحاً أن نسبة التفاعل مع الجمهور، وطرح الأسئلة حول الهوية والانتماء كانا الأنجح خارج الدراما، وفكرة الجدار الرابع. علماً أن كل ما يحدث في الفضاء المسرحي حتى ولو كان خارج الشخصية ومن منطلق تجارب حقيقية وشخصية، يبقى ضمن إطار المعالجة الدرامية لموضوع ما. والسؤال هو: لماذا اختار يوسف وبونصار أن يقولا ما يشعران به، مرة بنجاح على لسانهما، ومرة أخرى بثقلٍ على لسان شخصيتين مركبتين؟ لا تقدم الرؤية الإخراجية للعرض جواباً شافياً. ربما يعود ذلك إلى حاجة الثنائي الواعد إلى عين خارجية، إلى مخرج يُدير أداءهما على الخشبة.

للاطلاع على صوَر من مسرحية «عندي سمكة ذهبية» انقر هنا




«عندي سمة ذهبية»: حتى 17 آذار (مارس) ــ «مسرح مونو» (الأشرفية، بيروت) ـ للاستعلام: 01/202422