«وفاة نذير نبعة» يختصر السيناريست السوري نجيب نصير هول خبر الموت بثلاث كلمات يكتبها لنا على «الواتس أب»، فنرد بالكلمات الأولى التي تتصاعد إلى أذهاننا :«هل هو في دمشق، كيف مات؟» ليأتينا الرد سريعاً «كان مريضاً، لقد استراح. الآن وصلني الخبر من بسام كوسا». نسأل نصير إن كان سيزودنا بنص يرثي به أبرز التشكيليين السوريين، فيشير لنا بالإيجاب مستطرداً: «تكلم مع بسام أيضاً، هو يعرفه جيداً». نجرّب التواصل مع النجم السوري بسّام كوسا، وهو الذي انشغل أصلاً بموهبته في التشكيل منذ أن جرّب الانتساب إلى «كلية الفنون الجميلة» فنصحة الفنان الراحل لؤي كيالي بالاعتماد على نفسه، ليختار «قسم النحت» ويظل شغوفاً بالفن التشكيلي منذ ذلك الوقت. لكنه لا يجيب. نعيد الاتصال حتى ينهمر صوت النجم السوري ممزوجاً هذه المرة بحيويته المعتادة وحزنه الواضح وحالة الإرباك التي تتسيد اللحظات الأولى من مشهد الفقد عموماً: «آسف لم أتمكّن من الرد من المرّة الأولى. البقاء لله. العمر لكم». يبادرنا الممثل السوري المعروف بتلك الكلمات قبل أن يشرح سبب رحيله وفق ما قاله أطباؤه كونه لازمه في فترة مرضه فيقول: «كان يعاني من مشكلة في صفيحات الدم، وكان يمكن أن تتطور لتصل إلى سرطان، لكنّه رحل قبل أن يحصل ذلك، على أمل أن يكون قد استراح لأن التعب نال منه أخيراً». وما إن نطلب منه أن يكتب عن صديقه المقرّب نصّه الخاص في حضرة وداعه، لا يتردد في الموافقة قبل أن ينتبه لشيء فاته «لكنني لن أستطيع أن أرسل شيئاً لكم اليوم لأني في الطريق مع «ثورة» إلى منزل نذير. فحتى هذه اللحظة، شبلية لم تعرف أنه توفي وعلينا أن نخبرها بأنفسنا». لا ينتبه كوسا أن محّدثه ربما لا يعرف أن ثورة هي زوجته، وشبيلة هي الفنانة التشكيلية شبلية إبراهيم رفيقة درب الراحل نذير نبعة.
في فترة الوحدة السورية المصرية، ذهب نبعة إلى مصر في بعثة لدراسة الفنون الجميلة، وعاش أيّام بالغة الأثر في حياته، عندما كانت «أم الدنيا» تسبك يومياتها الذهبية وصحوتها الفنية والثقافية على مستويات واسعة. حينها ظفر بمعاصرة كبار المثقفين والتشكيليين وشعراء المحكية قبل أن يعود إلى دمشق شابكاً معه شبليّة ابراهيم زوجته ووليفة الأيام الصعبة والخطوات المتعثرة قبل الناجحة!
«أشعر أنني في غاية الإرباك ولا أعرف كيف لنا أن نؤنس وحدة زوجته، ونخفف من حزنها في هذا الليل الطويل» يقول بسام كوسا قبل أن يضيف: «الرجل كان له قيمة لا يمكن أن يدركها إلا من عايشه وتعرّف إليه عن قرب. قيمته الفنية وصلت إلى كل جمهوره، لكن أثره وبعده الإنساني لا يقلان أهمية أو نبلاً عن فنه. غالباً يتباين المستويان الفني والإنساني عند المبدع، لكن عند نذير كان الأمر مختلفاً لأن روحه حملت هامشاً إنسانياً واسعاً مشى بالتوازي مع فرادة فنّه».
أخيراً نرجع إلى نصير لنسأله أين وصل فيقطع علينا الطريق بجملة أرسلها مع ملف مرفق لنص مقنضب كتب عليه: «هذا ما دار في الرأس المشوّش عن مهندس اللون الأبيض».