الدوحة | هنا الدوحة. ناطحات السحاب تنمو كالفطر في الجزيرة الصغيرة. القرية الثقافية، والمتاحف، والمسارح ودار الأوبرا الضخمة تملك روزنامة غنية من الفعاليات العربية والعالمية التي تزور الإمارة كل شهر. من يزور قطر هذه الأيام سيبهره تطاول الدولة الصغيرة نحو المدنية والحداثة. كل شيء جديد ومشغول بإتقان. الدولة التي كان لها موقف مساند لثورات الربيع العربي، يختبئ الخوف خلف واجهتها الحديثة.
الخوف جاء هذه المرة من قصيدة نزعت الخياطة التجميلية لدولة من دول المشايخ الخليجية. الخوف والصمت تسلّطا أيضاً على قناة «الجزيرة» اللاعب الرئيسي في صنع الثورات، ما استدعى «هاشتاغ» على تويتر (الحرّ حتى اليوم) من محبّي الشاعر محمد بن الذيب الذين أضاؤوا على إضرابه عن الطعام احتجاجاً على منعه من لقاء ممثلي «منظمة حقوق الإنسان الدولية».
خبر لم يظهر على «الجزيرة» ولا حتى كشريط أسفل شاشتها. الإمارة القوية هزّ عرشها محمد العجمي (معروف باسم محمد بن الذيب) الذي اعتقل في 2011 بتهمة التحريض على الثورة وعلى إطاحة نظام الحكم، بعد نشره قصيدة «كلّنا تونس» التي انتقد فيها الأنظمة الخليجية وأمير قطر، وتم تداولها على يوتيوب. على أثرها، قضت محكمة أمن الدولة يوم 29 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011 بالسجن المؤبد بحق الشاعر بتهمة التحريض على قلب نظام الحكم. الشاعر الذي يملك جمهوراً أكثر من عدد سكان قطر، جرى تخفيف حكمه بعد الاستئناف ليصير السجن 15 عاماً. لم تخرج تظاهرات للاحتجاج على اعتقال العجمي ولا أحد يذكره في الشارع القطري. فقط همسات سريعة في الخفاء حين نسألهم عنه. التقت «الأخبار» أحد الصحافيين في «الجزيرة نت»، فأخبرنا عن وقوع القناة وموقعها الإلكتروني في فخ «الإسلاموية». «أخونة» القناة القطرية جعلتها تكسب عداء جمهور بلدان الربيع العربي، وانسحب الأمر على قضية الشاعر العجمي. قضية اعتقال الشاعر وما تلاه من أحكام قاسية، حرّكت كثيرين افتراضياً. الجمهور الإلكتروني استوطن تويتر للاحتجاج العابر في غالبية دول الخليج هذه الأيام. شوارع قطر تمتلئ هذه الأيام بلافتات تحمل صورة علي حسن الجابر، مصور قناة «الجزيرة» الذي قتل عام 2011 خلال الحرب في ليبيا. لافتات تحمل الدعوة إلى المشاركة في المسابقة الدولية التي تنظمها باسمه «اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان» وتستقبل طلبات الترشيح لدورتها الثانية. قيل الكثير عن تلك القوة الاستعمارية الجديدة وقدرتها على شراء كل شيء في العالم. لكنها الصدفة أن تسوّق مقتل المصوّر القطري تحت عنوان «جائزة الشهيد». الإمارة الخليجية الصغيرة صاحبة «القدم الجبارة» وقعت في فخ تكريم عدسة المصور المكسورة في ثورة ساعدت على صنعها، وقلم شاعرها العجمي الذي كتب قصيدة «كلنا تونس» واستحق السجن المؤبد عليها. معادلة تحدث داخل دول القبائل العجوز، صوّرتها لنا ملحمة «مدن الملح» لعبد الرحمن منيف. المدن الجديدة التي كتب عنها منذ سنوات نبوءة، يقول فيها: «تقوم مدن الملح، ترتفع وتكبر، لكن إذا جاءها الماء: فشّ، ولا كأنها كانت!».